الأوبئة انتقام إلهى.. عقيدة بشرية منذ الإنسان الأول توارثتها الأديان السماوية

الأحد، 29 مارس 2020 10:00 م
الأوبئة انتقام إلهى.. عقيدة بشرية منذ الإنسان الأول توارثتها الأديان السماوية كورونا - أرشيفية
كتب محمد عبد الرحمن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما إن تفشى فيروس كورونا: كوفيد 19، حتى نادى الجميع من مختلف العقائد والأديان بأن الله ينتقم من سلوكيات البشر، وأن الفيروس ما هو إلا انتقام إلهى من الإنسان، فترى المسلم يعتبر أن الله يعقاب الإنسان ليعود إلى إيمانه والمسيحي يرى أنه لعنة من الله على أرواح البشر الشريرة.
 
فكرة الانتقام الإلهى من البشر في صورة أوبئة وأمراض ليست جديدة على عقيدة الإنسان، ولم تكن نتاج الأديان الإبراهيمية، لكنها كانت فكر وعقيدة البشر منذ فجر التاريخ، فجميع اتفق أن الوباء والمرض صورة من انتقام الإله لممارسات الإنسان السيئة، وكل الحضارات رأت أن الإله ينتقم من البشر:
 

الحضارة الفرعونية

سخمت
سخمت
الفراعنة اعتقدوا أن الأرواح الشريرة هي السبب، وأن الأوبئة والأمراض ما هي إلا تجسيد لغضب الآلهة، وبحسب دراسة بعنوان "كيف مارس المصريون القدماء الطب" نشرت في موقع الباحثون السوريون، فإن المصريون القدماء اعتقدوا أن المرض غالباً كان بسبب غضب الآلهة أو الأرواح الشريرة والسحر، وتبعاً لذلك عُرِفَ عنهم أنّ عملهم مشابه لعمل آلهة الشفاء مثل سخمت (Sekhmet)، وكانوا يعتقدون أن غضب رع إله الشمس في المعتقد المصري القديم على البشر لاستهزائهم به، فقام بإرسال سخمت لتنتقم منهم.
 
ويذكر العديد من الباحثين أن المصرى القديم كان يعتقد أن المرض والألم الذي يعاني منه الإنسان يحدث له بسبب الآثام التي ارتكبها، أي كنوع من العقاب، أو لأخذ درس في الحياة، أو بسبب غضب الإله والأرواح الشريرة، وكان العلاج يتمثل في قراءة بعض التعويذات والصلوات، وقد جمع المصريون كتاباً يجمع أكثر من 700 علاج وتعويذة للعديد من الأمراض العقلية والقلبية والجسدية والجراحية.
 
وذكر كتاب "العقاقير والعلاج" لصابر جبرة، أن المصريين حاولوا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا طردَ الأمراض من أجسامهم، وطردَ الأرواح الشريرة التي سبَّبت الأمراض؛ ومن هنا نشأت تلك الناحية العظيمة التي اشتهرت بها مصر، والتي اشتهر بها رجالها، وهي السحر.
 

الحضارة اليونانية

الطاعون الأنطوني
الطاعون الأنطوني
انتشر الطاعون الأنطوني منذ عام 165م حتى 180م، في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط، متسببًا في وفاة 2000 شخص يوميا، و عندما قام الجنرال الروماني لوسيوس فيروس، بحصار مدينة “سلوقية” في العراق، فأُصيب جيشه بالوباء، وانسحب، آخذًا معه العدوى إلى باقي أنحاء الإمبراطورية. وخلال انطلاق الوباء نَمَت حوله ثلاث أساطير؛ أولاها أنه كان عقابًا لأن الرومان سابقًا كانوا قد وعدوا الآلهة بعدم نهب المدينة، إلا أنهم أخلفوا الوعد وفعلوا العكس.
أما الرواية الثانية فافترضت أن جنديًّا رومانيًّا فتح النعش الذهبي في معبد الإله “أبوللو” في بابل؛ ما سمح للطاعون بالفرار، في حين لام الرومان الوثنيون أعداءهم المسيحيين، معتقدين أنهم أثاروا غضب الآلهة، حسب الرواية الثالثة.
 

الحضارة العراقية

الإله أيا
الإله أيا
الحضارة العراقية القديمة ذكر فى ملاحمها حوادث الاوبئة التى تصيبهم، والتى أعتبروها غضب الالهة على سكان المنطقة، وتناول الادب العراقى القديم أشكال غضب الآلهة ومنها اصابتهم بالأوبئة والامراض كما ورد في ملحمة اتراخاسيس.
 
وبحسب موقع "إيلاف" العراقى، اعتقد العراقيون القدماء أن هناك شخص اسمه اتراخاسيس قـد سمع كلام الإله أيا الذي طلب مـنه أن يدعو شيوخ المدينة وقال له: أبدوا بالصلوات وابحثوا عـن بيت الإله نمتار (وهو إله القدر أو تحديد المصير عند السومريين) واحضروا له الخبز ولتصله القرابين وليخجل مـن الهدايا واستلم اتراخاسيس الوصايا من الإله ايا واجتمع مع شيوخ المدينة وشيدوا معبدا للإله نمتار واحضروا له القرابين والهدايا ففارقهــم مرض الطاعون.
 
وبعد فترة من الزمن بدأ الاله انليل بالتخطيط بإنزال عقوبة ثانية على البشر بعد الطاعون وهي القحط إذ أن عـدد البشر قـد تزايد مـن جديد، وتدخل مرة ثانية الاله أيا (إله الحكمة عند العراقيين القدماء) ويدلهم على بيت الإله ادد (إله المطر) فاحضروا له خبزا وعدد كبير من القرابين ليتعاطف مع البشر وينزل عليهم المطر.
 

الهندوس

الهندوس
الهندوس
الحضارة الهندية القديمة، والمتدينين من الهندوس يعتقدون هم أيضا بالعقاب الإلهى، ويذكر كتاب "التفكير في الثقافات" تأليف مونيس بخضرة، فإن الهندوسى يعتقد بأنه عرضه للانتقام الإلهى الشديد، إذا ترك الصلاة أو الدعاء أو تلاوة الكتب المقدسة، او لم يحصر الاحتفالات الدينية او ذبح البقرة أو لم يقم بواجب الطهارة، ولم يديه قبل الطعام.
 
ويوضح الكتاب أن هناك صنفان من الواجبات يسيطران على حياة الهندوس، هما: الأوامر الدينية التي تنشأ عن ضرورة التودد إلى الآلهة الهائلة القادرة على إصابة الناس بالأوبئة، والصنف الثانى يشمل الطهارة، وبمراعاة هذين الصنفيت تتألف قواعد الأدب العامة لدى الهندوسى.
 

العرب قبل الإسلام

العزى
العزى
في المثيولوجية الدينية عند العرب قبل الإسلام كان هناك آلهة متعددة، وكانوا يعتقدون بأن تلك الآلهة شديدة العقاب من الإنسان الذى يعديها سواء بالمرض أو بالأوبئة، ومن بين آلهة كان "العزى" وهى إلهة عبدها أهل مكة في الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام، أورد الطبري روايات تفيد بأن العرب كانوا يقدسون أجمة شجيرات على أنها تمثلها، وفي روايات أخرى ورد أنها حجر. والغالب أنه كان للعزى تمثالا على شكل امرأة. ويظهر من اسمها الذي هو مشتق من العزة أنها كانت إلهة قوية عزيزة تعز من عبدها، وقد كانت قريش تحملها معها في حروبها. وكانوا يسمونها ملكة السماء. وكانوا يرونها أيضًا شديدة العقاب والانتقام ممن يعاديها، وذلك أن امرأة رومية أسلمت فذهب بصرها.
 

الكتاب المقدس

في الكتاب المقدس يرى المسيحيون واليهود أن الوباء ماهو إلا علامة من علامات غضب الله، ففي العهد القديم الذي يتناول "انتقام الرب من البشر بتسليط الوباء عليهم لا سيما نبوءات إرميا وأشعيا".
 
وذكرت كلمة "وباء" جاءت في الكتاب المقدس وبالأخص في العهد القديم مقترنه دائما بفكره التأديب الالهي "تث 28"، يا إسرائيل لو لم تفعل هذا سيحدث لك كذا وكذا، فكان الله يعطي اصحاح للبركة لو تم اتباعوه والتمسك بالوصية فستجدون بركة في العمل والأولاد والأرض والصحة، «وَلكِنْ إِنْ لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْرِصَ أَنْ تَعْمَلَ بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ وَفَرَائِضِهِ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ، تَأْتِي عَلَيْكَ جَمِيعُ هذِهِ اللَّعَنَاتِ وَتُدْرِكُكَ:16 مَلْعُونًا تَكُونُ فِي الْمَدِينَةِ وَمَلْعُونًا تَكُونُ فِي الْحَقْلِ.17 مَلْعُونَةً تَكُونُ سَلَّتُكَ وَمِعْجَنُكَ.18 مَلْعُونَةً تَكُونُ ثَمَرَةُ بَطْنِكَ وَثَمَرَةُ أَرْضِكَ، نِتَاجُ بَقَرِكَ وَإِنَاثُ غَنَمِكَ.19 مَلْعُونًا تَكُونُ فِي دُخُولِكَ، وَمَلْعُونًا تَكُونُ فِي خُرُوجِكَ.
 
ويرى القمص داود لمعى أن النص الدينى الذى يقول: "يُرْسِلُ الرَّبُّ عَلَيْكَ اللَّعْنَ وَالاضْطِرَابَ وَالزَّجْرَ فِي كُلِّ مَا تَمْتَدُّ إِلَيْهِ يَدُكَ لِتَعْمَلَهُ، حَتَّى تَهْلِكَ وَتَفْنَى سَرِيعًا مِنْ أَجْلِ سُوْءِ أَفْعَالِكَ إِذْ تَرَكْتَنِي.21 يُلْصِقُ بِكَ الرَّبُّ الْوَبَأَ حَتَّى يُبِيدَكَ عَنِ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا لِكَيْ تَمْتَلِكَهَا." ونجد في الآية الأخيرة من السفر يلصق بك الرب الوباء، فواضح أن كلمة وباء كانت إحدى لعنات السماء لأشخاص تركت الله ورفضته وكسرت وصيته، فلا بد أننا نفهم اللغة، عندما تسمح السماء بوباء فلا بد أننا نعلم أنه نوع من اللعنة.
 

الإسلام

لدى السلفيين والكثير من عوام المسلمين غريزة أن الأوبئة والأمراض انتقام إلهى، ويستشهد بعضهم بحديث منسوب للنبى محمد (ص) يقول: (لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا) ، والحديثُ وإن كان معناهُ صحيحاً ، وأيضا بما ورد في سورة العنكبوت؛ حيث قال تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [سورة العنكبوت : الآية 40]، حيث يدعى الكثير أن انتشار الأوبئة ومن بينها فيروس كورونا المستجد هو عقاب إلهى لابتعاد الناس عن التعاليم الدينية والأخلاقية الصحيحة، ودائما ما يفسر السلفيين وأصحاب العقائد المتجمدة هذا الأمور على أنه العقاب الإلهى، مستعينين في ذلك بالفكر العقائدي الجبري الذي يعيد أحوال الناس إلى إرادة الإله فقط.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة