وجه مصطفى السباعى المراقب العام لجماعة الإخوان فى سوريا، الدعوة إلى مراقبى الجماعة فى الدول العربية للحضور، أو إرسال مراقبين عنهم إلى «دمشق»، لمناقشة قرار الحكومة المصرية بحل «الجماعة».
جاء قرار حل«الجماعة» فى مصر بعد معركة عنيفة شهدتها جامعة القاهرة أثناء الاحتفال بذكرى شهداء معركة القناة يوم 12 يناير 1954، وحسب أحمد حمروش فى كتابه «قصة ثورة 23 يوليو»: «حضر الطلبة الإخوان ومعهم الإرهابى الإيرانى «نواب صفوى» زعيم جماعة (فدائيات إسلام الإيرانية) الذى كانت صحف أخبار اليوم برئاسة مصطفى أمين قد هللت له وأحاطته بدعاية ضخمة، وحدث اشتباك بينهم، وبين الطلبة الآخرين انتهى إلى إصابة بعض الطلبة، واستخدم الإخوان يومها أسلحة نارية إلى جانب العصى، مما أحدث جوا بالغا من العنف والتوتر، ووجد مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 ضرورة اتخاذ موقف حاسم فأصدر قراره بحل الجماعة يوم 14 يناير 1954».
يؤكد «حمروش» أن قرار الحل صدر بإجماع أعضاء مجلس قيادة الثورة، وكان محمد نجيب رئيس المجلس ورئيس الجمهورية، هو الصوت الوحيد المعارض، وترتب على هذا القرار اعتقال العديد من قيادات الجماعة وكوادرها، وتباينت ردود الفعل العربية حول ما حدث، ففيما رحبت العراق والأردن رسميا، تحفظت السعودية، وسوريا، ولم تهتم لبنان، غير أن الجماعة فى سوريا كان لها موقف شديد الغضب نحو القيادة المصرية.
يكشف الدكتور عبدالله فوزى الجناينى فى كتابه «ثورة يوليو والمشرق العربى -1952 1956» عن «دار الكتب والوثائق القومية،القاهرة»، أن الأوساط السياسية السورية التزمت الصمت فى بادئ الأمر حيال قرار الحل، وما تبعها من حملة اعتقالات واسعة لقيادات الجماعة البارزين، واكتفت بالقيام بدور المشاهد والمراقب للأحداث من بعيد دون التعليق بشىء، ولعل مرجع ذلك هو انتشار الجماعة فى سوريا، ومن ثم خشية السلطات السورية إثارة غضبها..يؤكد «الجناينى» أنه لم يظهر أى صدى إيجابى أو سلبى لدى الرأى العام، باستثناء عدد من البرقيات أرسلها الطلبة السوريون إلى الحكومة المصرية، أظهروا فيها احتجاجهم على القرار، وأرسلت السفارة المصرية فى دمشق إلى وزارة الخارجية فى القاهرة إحدى هذه البرقيات ومازال الأرشيف السرى فى الوزارة يحتفظ بها وتقول: «حلكم للإخوان المسلمين أعداء الاستعمار الأثيم طعنة نجلاء فى صميم العروبة والإسلام، الواجب يتطلب إعادتها».
وفيما كان هذا الموقف الحذر من الحكومة السورية والرأى العام، فإن «الجماعة» فى سوريا كانت أشد عنفا فى انتقادها، ودعا مراقبها العام مصطفى السباعى مراقبى الجماعة فى الدول العربية لاجتماع فى دمشق يوم 29 مارس مثل هذا اليوم، عام 1954.. يذكر
«الجناينى» أن الاجتماع حضره، محمد محمود الصواف المراقب العام للجماعة بالعراق، وعبدالرحمن خليفة مراقبها فى الأردن، وكامل الشريف مندوبا عن الجماعة المنحلة فى مصر، ومحمد عمر من لبنان، وانتهى الاجتماع إلى قرارات أبرزها، إرسال برقيتين إلى كل من، العاهل السعودى الملك سعود، ومحمد نجيب، رجوا فيهما أن يقوم «سعود» بالوساطة لدى الحكومة المصرية للإفراج عن الإخوان، وإلغاء قرار الحل، ودعوا «نجيب» إلى تنفيذ نفس المطالب، وأرسلوا برقيات إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية والقادة العرب للتوسط فى القضية، وقرروا تأليف وفد من المحامين الإخوان للمرافعة فى جلسة مجلس الدولة المصرى يوم 31 مارس 1954 فى الدعوى المرفوعة لإلغاء قرار الحل، وقرروا تقديم المعونة المالية لإخوانهم فى مصر.
كان مصطفى السباعى «المولد فى حمص (1915 - 1964 ) قائد هذا التحرك، وهو شخصية مثيرة فى تاريخ حركة الإخوان، فبالرغم من أنه مؤسسها فى سوريا، وجاء إلى مصر للدراسة فى الأزهر عام 1933، وتعرف على حسن البنا مؤسس الجماعة، إلا أن علاقة خاصة ربطته بجمال عبدالناصر بدأت بعد الوحدة المصرية السورية 1958، ويؤكدها المستشار الدمرداش العقالى فى كتاب «عبدالناصر والإخوان بين الوفاق والشقاق» لسليمان الحكيم..كان «العقالى» أحد أبرز أعضاء التنظيم الخاص للجماعة قبل أن يتركها، ويقول للحكيم، إن عبدالناصر زار «السباعى» فى منزله فى زيارته الأولى لسوريا بعد الوحدة، وتحاورا، واصطحبه الرئيس فى زيارة إلى قبر صلاح الدين الأيوبى، وجاء السباعى إلى مصر ليتصل برموز الإخوان فيها، مؤكدا لهم أنه إذا ضاع عبد الناصر فلن تعوضه الحركة الإسلامية، وأنه من غير المقبول ولا المعقول أن يكون الإخوان مع الصهاينة والغرب والشيوعيين فى صف واحد ضد عبد الناصر، وانعكس هذا الموقف على حياة الرجل الفكرية فأصدر كتابه «اشتراكية الإسلام».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة