رغم التحديات التى يواجهها العالم مع فيروس كورونا، وتحذيرات القطاعات الصحية المختلفة من التكدس والزحام، إلا أن كل هذا لم يمنع المواطنين من الزيارات المتكررة للبنوك، وسحب أموالهم خوفا عليها من موجات تراجع وتردى اقتصادى عاتية ينتظرها عالم ما بعد كورونا، ليفكر الجميع بمنطق " فلوسى في بيتى"، ولم تختلف في ذلك الدول المتقدمة عن الفقيرة، فكما أن المواطن الأمريكى أو الأوروبى يتوجه للبنوك لسحب مدخراته، كذلك يفعل المواطن المصرى.
فى الصباح وأثناء الذهاب إلى الجريدة، دار حديث خاطف مع سائق التاكسى، الذى بدأ من أن البنوك في زحام شديد يوميا، والكل يسعى لسحب "فلوسه"، خوفا عليها في ظل أزمة كورونا، قائلا:" مش عارف الناس جرالها ايه.. وهيعملوا بالفلوس ايه ؟! "، وقد صدق السائق الخمسينى في كل ما ذكره فلا يوجد ما يستوجب كل هذا القلق، كما أن البنوك المصرية قوية وقادرة على التعامل مع الأزمات والمحن ولديها أرصدة واحتياطيات كبيرة، وأموالها مضمونة ومصانة بقوانين البنك المركزى.
لا يمكن أن نفكر بمنطق نفعى فى ظل الأزمة الراهنة، التي تدور رحاها في مختلف دول العالم، بل نحتاج إلى الصمود والمواجهة، فلا يمكن بأى حال أن تغير الأموال التي نسحبها من البنوك الوضع الراهن، بل قد تكون نتائجها غير مرضية لنا جميعا، من حيث التأثير على حجم السيولة، وتخلق اضطراب كبير في السياسات النقدية، التى قطعت الدولة شوطا كبيرا فى ضبطها وترشيدها خلال السنوات الماضية.
الإجراءات التى اتخذها البنك المركزى مؤخرا تجاه سياسات السحب والإيداع هامة ومدروسة، خاصة أن التحديات كبيرة جدا ومتشعبة، فهناك من يتاجرون فى الأزمة ويحاولون خلق سوق سوداء للدولار مرة أخرى وتدمير كل المكاسب التي حققها الجنيه خلال الفترة الماضية، وجزء آخر يتحرك بعقلية القطيع ليسحب مدخراته من البنوك، لدرجة أنهم سحبوا ما يقرب من 30 مليار جنيه فى أيام معدودة، وجزء ثالث يتعلق بالأموال الساخنة وأدوات الاستثمار في الأسواق الناشئة، التى تخرج من دول المنطقة بصورة ملفتة، نتيجة لما يحدث في العالم كله، كإجراء طبيعى للخوف والقلق الذى يسيطر على المستثمرين، وأخيرا فصيل رابع يسعى بكل الطرق إلى إثارة الشائعات وخلق حالة من البلبلة حول المستقبل المجهول، وهذا الدور تتولاه جيدا عصابات جماعة الإخوان الإرهابية الهاربة فى الخارج لممارسة التضليل على الشعب المصرى.
ليس هناك أى داع لسحب المدخرات من البنوك، أو اكتناز أموال لسنا فى حاجة إليها، فالواضع الراهن يحتاج إلى عمل جماعى وتكاتف من الجميع أفراد ومؤسسات، فلا يمكن أن نواجه هذه الجائحة بـ " الأنانية " والتفكير في الذات والمكاسب والأموال، لكن نحتاج إلى الروية والهدوء والتفكير بصورة تحقق مصالحنا جميعا، ونترك المجال للخبراء والمتخصصين، فهم الأقدر على مواجهة الأزمة والوصول إلى نتائج فعالة، حتى نتمكن من تجاوز تلك الجائحة فى أقرب وقت ممكن.