فخور ببلدى، سعيد بأنى مصري.. أول مرة من سنين طويلة أشعر أن لدينا دولة وحكومة تهتم بنا وتخاف علينا، كلمات قد تسمعها كثيرا هذه الأيام، وأحيانا، وهذا هو الأهم، تسمعها ممن كانوا قبل ذلك ينتقدون أو على الأقل يلتزمون الصمت، أو كانوا ممن لعبت بعقولهم لفترة طويلة الشائعات وأكاذيب الجماعة الإرهابية، التى تحاصرهم من كل اتجاه وفى كل وقت وبكل السبل بهدف تشويه الدولة، وتصويرها على أنها لا تشعر بالمواطن ولا تراعى معاناته، لكن هؤلاء الآن، وعندما ظهرت المحنة الحقيقة وجدوا أنفسهم أمام حقيقة مختلفة تمامًا عما تروجه لهم تلك الجماعة المارقة وإعلامها الكاذب، وجد المواطنون أنفسهم أمام دولة قوية تنشغل بهم وتعمل بكل جهد لحمايتهم من الخطر، دولة لا تنتظر وقوع الأزمة، بل تستبقها وتسارع باتخاذ ما تتطلبه المواجهة الجادة التى تضمن تجنيب المواطن تبعاتها.
هذه مشاعر وقناعات حقيقة لمستها فى الشارع من مواطنين بسطاء مثلما سمعتها من مثقفين وفئات كثيرة مختلفة، بعضهم لم يتردد فى الاعتراف بأنه كان مخطئا فى أحكامه السابقة على الحكومة ومؤسسات الدولة وبعض سياساتها، وأن الأزمة الحالية "كورونا" مثلما كانت خطرًا يخشاه الجميع، ويتحسب من تداعياته، لكنها تحولت إلى اختبار حقيقى كشف أمام المصريين أن دولتهم الآن مختلفة تمامًا، وأنهم يستطيعون الاعتماد عليها والثقة فى أنها ستحميهم بكل ما تمتلك من إمكانات ضد الخطر، لأنها دولة عفية قادرة على مواجهة الأزمات، قريبة منهم وتعمل لصالحهم وتحصنهم بكل السبل، مثلما كشفت الأزمة أيضًا، وخاصة على مدى الأسابيع الماضية أن الدولة لم تعد تدير شؤونها بعشوائية وإنما تتعامل بخطة ممنهجة، وتعرف فى كل مرحلة ماذا تريد وكيف تصل إلى هدفها.
الأهم أن ما سبق كله ليس مجرد رد فعل عاطفى من مواطنين أسعدتهم قرارات رئاسية لبت بعض مطالبهم وحققت لهم بعض الميزات المالية الجديدة، سواء زيادة فى الدخل أو المعاش أو تخفيض فى الضرائب المستحقة، فالأمر عند المصريين الآن أكبر واهم من ذلك، المصرى الآن لم يعد هو الشخص الذى يسهل خداعه، فقد تعلم بحكم ما مر به من أزمات وتقلبات ربما لم يمر بها شعب آخر، أن يحسب كل قرار ويدرس كل كلمة ويفلتر كل حكم قبل أن يطلقه، المصرى الآن أصبح حريصا جدًا فى إبداء الثناء والإعجاب، فلا يشيد إلا بما تأكد أنه يستحق الثناء، ولهذا فعندما يشيد بأداء الدولة بكل مستوياتها ومؤسساتها، وفى ظل هذه الظروف العصيبة، التى تعجز أمامها دول كبرى فهو لا يجامل وإنما يترجم إحساسًا حقيقيًا أصبح موجودا لديه وراسخا عند الجميع، إحساس أن دولته تستحق منه أن يقدم لها الشكر والاحترام، وهنا من الواجب التأكيد على أمر مهم، وهو أنه إذا كان البعض يرون أن التطبيق الحازم لحظر التجوال من قبل قوات الشرطة هو السبب فى الالتزام من المواطنين، فإن المؤكد أن هؤلاء لم يفهموا طبيعة الشعب المصرى جيدًا ولم يقرأوا المشهد كما يجب، لأنهم لو فهموا طبيعة المصرى لأدركوا أن الالتزام الشعبى بالحظر والبقاء فى البيت ليس مرجعه هذا السبب، ولا لمجرد الخوف من الوباء، صحيح أن رجال الشرطة يؤدون واجبهم بكل جدية وحسم وبحرفية ووطنية وإنسانية، ويتصدون لمحاولات قلة من المواطنين متعمد لكسر الحظر، لكن فى نفس الوقت لا يمكن إغفال أن المواطن نفسه يشعر الآن أنه أمام دولة تستحق أن تحظى بثقته ودعمه والتزامه أيضًا، لأنها لم تخدعه ولم تتاجر به أو تزايد عليه أو تهمل فى حمايته، بل كانت عند وعدها معه دائمًا وتؤدى واجبها تجاهه خلال السنوات الماضية بكل جدية، ومنذ ظهور خطر كورونا سارعت الدولة بكل السبل لمكافحته والتصدى لإثارة وتداعياته وحماية المصريين منها، لم تتأخر فى اتخاذ قرار تتطلبه المواجهة ولم تتردد فى تحرك، تستدعيه حماية المواطن أيًا كانت تكلفته أو تبعاته الاقتصادية والسياسية، بل وصل الأمر إلى تحمل مسؤوليتها كاملة وبكل شجاعة فى استعادة كل مصرى من الخارج طلب أن يعود إلى بلده، لم تستجدِ مصر دعما من أحد، بل دعمت بعض الدول الأخرى ولم تقف عاجزة أمام الكارثة ولم ترتبك، وإنما كانت من البداية تدير الأمر بحرفية ووفق منظومة مواجهة متكاملة تتحسب لكل الاحتمالات وتتعامل فيها كل الأجهزة والمؤسسات فى تناغم كامل، كل يؤدى دوره فى هدوء وبتنسيق يضمن سد كل الثغرات.
معلوم أنه فى الأزمات دائمًا تواجه الدول تحديات كثيرة، ما بين مصالح متضاربة لفئات مختلفة، وضغوط متنوعة خارجية وداخلية ولوبيات تبحث عن تأمين أوضاعها وعدم القبول بالتنازل عن أى مكاسب تحققها، وما بين إمكانات قد تكون محدودة، وصراعات قد تعثر إجراءات المواجهة، لكن الدولة المصرية ومنذ أول يوم فى ظهور الأزمة بدت قوية ثابتة تمتلك القدرة على تطويع كل هذه التحديات والصعوبات لتحولها إلى جزء من النجاح لخطة المواجهة، وهذا ما لمسه المواطن كحقيقة على الأرض، فرغم كل ما واجهته مصر من صعوبات وأكاذيب ومحاولات متكررة وجماعات ودول تصر على إرباكها فى إدارة الأزمة نجحت الإدارة المصرية وبكفاءة عالية فى أن تتخطى كل ذلك بذكاء وتتعامل مع الملف بتركيز شديد، لم يشغلها ترصد البعض ولم يحرفها عن مسارها الألاعيب القذرة، التى تمت ممارستها ضدها فى محاولة خبيثة لتشكيك المواطنين فى مؤسسات دولتهم، وبفضل هذا الثبات والثقة من الدولة كانت النتيجة أن المواطن الذى استسلم فى البداية لبعض الشائعات، التى روجتها الأذرع الإعلامية للجماعة الإرهابية هو نفسه المواطن الذى رفض بعد ذلك هذا الإعلام الكاذب ورفض أن يستمع إليه لأنه كشف تضليله وتأكد أن هذه الجماعة لا هدف لها سوى انتهاز الوباء للانتقام من المصريين، وأنها تقبل أن يحدث أى شيء فى سبيل تحقيق مخططها ضد الدولة المصرية حتى ولو كان الثمن تفشى الوباء بين الملايين من البسطاء فى هذا الوطن.
وأظن أن فيديوهات التحريض الإخوانية على نشر الفيروس بين المصريين كانت كاشفة لحقارة هذه الجماعة، مثلما كانت تأكيدًا أن الدولة المصرية تواجه حربًا غير شريفة، وهو ما أدركه المواطن جيدًا.
ومثلما حاولت الجماعة الإرهابية تحقيق أغراضها الخبيثة من الأزمة، حاول وما زال بعض رجال الأعمال انتهاز الوباء لتحقيق مكاسب على حساب الاقتصاد الوطنى ومارسوا كل سبل الضغط على الدولة كى ترضخ لمطالبهم وأطماعهم، ووصل الأمر ببعضهم إلى استخدام أدواته الإعلامية والمستأجرين لتمرير أفكاره المسمومة التى تهدف إلى إفساد تحركات الدولة وانهيار البورصة لتسقط فى حجورهم، لكن لا الدولة استسلمت ولا المواطن انساق وراء هؤلاء بل أعلن غضبه عليهم وطالب باتخاذ إجراءات حاسمة ضدهم مثلما فعلت دول أخرى كالولايات المتحدة الأمريكية أو روسيا،
وأظن أن صفحات السوشيال ميديا، وإن كانت عكست ترجمة بسيطة لهذا التوجه الشعبى العنيف ضد الانتهازيين، فإن الوضع فى الشارع وأحاديث المواطنين البسطاء هى التجسيد الأكبر والأشمل عن هذا التوجه العام الذى أصبح كارها ورافضا لمثل هذه الشخصيات، التى لا تشبع نهبا ولا يكفيها ما حققته من أطماع، مثلما هو رافض تمامًا لكل من يروج لهؤلاء أو يدعمهم أو يسخر نفسه وإعلامه للتخديم على أفكارهم، فليس مقبولًا ولا معقولًا ولا من الأخلاق أن يتحدث شخص عن ثرواته الذهبية وأطماعه المليارية وخططه للسيطرة على البورصة ويضغط من أجل تحقيقها فى وقت يواجه فيه الشعب، بل العالم كله خطر محقق، فمن يفعل ذلك لا يستحق الاحترام مثلما لا يستحق من يروج له أى تقدير من المواطنين على حساب دولته التى يرونها تقاتل من أجل حمايتهم بينما هؤلاء يقاتلون من أجل مصالحهم.
ليس هذا فحسب وإنما الأهم أن المواطن الآن وبالفعل ما لمسه من إخلاص القيادة وجدية مؤسسات الدولة أصبح الآن هو الذى يدافع عن الدولة، ويتصدى لكل من يحاول الخروج عن الإجماع الشعبى أو يسعى إلى التربح من الأزمة، المواطن الآن هو الذى يساند أى قرار من الدولة ويتحمس لأى إجراء لأنه أصبح على ثقة بأن الإدارة المصرية تتحرك من أجل سلامته، وأنها لا تخفى عليه شيء، وإنما تتعامل معه بكل شفافية، سواء فى عدد الإصابات أو الوفيات وحقيقة الوضع الصحى أو فى احتياطى السلع أو فى الهدف من كل قرار، وربما لمس جميعنا تأثير هذه الثقة فى تراجع نسبة التزاحم على السلع خلال الأيام الأخيرة، لأن المواطن أيقن أن الدولة عندما أكدت توافر السلع لم تكن تبالغ، وإنما كانت تتحدث عن واقع فعلى، ولا تكتفى بهذا التأكيد، وإنما يتابع رئيس الدولة بنفسه كل هذه الملفات وبشكل يومى، وعلى مدار الساعة سواء الاستعدادات الطبية وخطة مواجهة تداعيات الوباء وحماية المصريين من خطره، أو توافر السلع الغذائية وتعزيز الاحتياطى الإستراتيجى منها وإتاحتها فى كل المحافظات وتلبية كافة احتياجات المواطنين منها ومكافحة أى ممارسات احتكارية واجتماعات الرئيس الحكومة مع وزراء الحكومة على مدى الأيام الماضية تؤكد هذا.
الخلاصة أن المصريين أيقنوا الآن أن دولتهم قوية قادرة على حمايتهم ورعايتهم والدفاع عنهم ضد أى خطر، وأن التقدم الذى يحتاجه المواطن ليس فقط ما تتباهى به بعض الدول مثل امتلاك الأسلحة أو تحقيق رفاهية المعيشة أو حتى الصعود إلى القمر، لأن التقدم الحقيقى، الذى يحتاجه المواطن وتبدأ هى به أنه عندما يتعرض لأزمة أو يواجه محنة أو خطرًا يجد دولته بجانبه، وأن تكون دولة تمتلك القدرة على حمايته فعلا وتفعل ذلك، وهذا ما تفعله مصر الآن، ولم يأت هذا من فراغ، وإنما جاء نتيجة جهد حقيقى استمر لخمس سنوات فى سبيل بناء الدولة القوية، التى تستطيع أن تتصدى وتصمد أمام أى أزمة مهما كانت صعوبتها وقسوتها وتداعياتها.
أدرك المواطنون أن ما تم بذله من جهد طوال السنوات الخمس فى سبيل تحقيق الإصلاح الاقتصادى، وما تم تقديمه من تضحيات وما تحمله المواطن من صعاب، تضامنًا مع قيادة الدولة وثقة فى وطنيتها لم يكن كما روجت ميليشيات الجماعة الإرهابية خداع أو إهدار لحقوق المصريين، وإنما كان جهدًا وطنيًا حقيقيًا قاده الرئيس السيسى، وتحمل مسؤوليته من أجل أن يبنى دولة لديها اقتصاد قادر على مواجهة أى أزمات ومؤسسات مؤهلة لحماية المواطن المصرى وهو ما بدأنا نحصد ثماره فعلًا منذ نهاية العام الماضى وتأكد هذا الحصاد فى الإدارة الجادة من مؤسسات الدولة لأزمة كورونا الحالية، وكل تداعياتها، ففى ظل أزمة يعانى العالم كله من تأثيراتها يظهر الاقتصاد المصرى متماسكًا حتى الآن والدولة تمتلك كل أدوات المواجهة، التى تجعلها تدير بهدوء وبعيد عن أى ضغوط، بل وتصدر القيادة السياسية قرارات تصب فى مصلحة تحسين مستوى المعيشة للمواطنين، رغم ما تعنيه هذه القرارات من عبء على الموازنة.
أعتقد أن هذه الإدارة الحكيمة للأزمة، والتى يقودها الرئيس عبدالفتاح السيسى بجرأة وعلمية ودقة شديدة، ويقوم عليها رئيس الوزراء وكل الجهات المعنية، وتسهم فيها كل مؤسسات الدولة وفى مقدمتها بالطبع وزارة الصحة والأطقم الطبية، إلى جانب المؤسسات الوطنية العريقة مثل القوات المسلحة والداخلية، هذه الإدارة الناجحة سوف تكون نقطة فارقة فى مستقبل مصر وإدارتها لكل الملفات، بل وكل الأزمات التى يمكن أن تواجهها، فى عصر ما بعد كورونا فقد أصبحت لدينا إدارة محترفة وخلية أزمة مؤهلة وجاهزة، لمواجهة أى ظروف طارئة أو مخاطر ومؤسسات قادرة على التعامل مع أصعب التحديات، والأهم أننا أصبح لدينا ثقة حقيقية بين المواطن والدولة، فشلت كل محاولات الجماعة الإرهابية فى إفسادها، وهذه الثقة المتبادلة هى سر النجاح لأى دولة فى العالم، وستكون بعون الله هى سر تجاوز الأزمة الحالية وخروج مصر منها بأقل الخسائر، كما ستكون هى سر النجاح فى إدارة كل الملفات فى المستقبل بنجاح.
ويبقى هنا أن نؤكد على الدور العظيم لأطباء مصر الذين اظهروا شجاعة ومهارة وكفاءة أصبحت محل إعجاب العالم، مثلما أظهروا وطنية فى مواجهة محاولات جماعة الخونة، التى سعت بكل الطرق لتحريضهم ضد دولتهم ودفعهم إلى التخلى عن مهمتهم المقدسة، لكنهم فشلوا ووقف أطباء مصر معتزين بانتمائهم ومتمسكين بواجبهم لا يبالون بمخاطر ولا يخشون الموت، بل قدموا بالفعل شهيدًا منهم أثناء عمله وهو الدكتور أحمد اللواح، فهؤلاء هم النموذج الذى نفخر به، ويستحق أن نطلق عليه جيش مصر الأبيض، لأن دوره فى هذه الأزمات لا يقل عن بطولات رجال الجيش والشرطة، فهؤلاء الأبطال كانوا بالفعل هم الأعمدة الحقيقية التى ارتكزت عليها الدولة فى إدارتها الناجمة لملف صعب.