يواصل الكاتب إحسان عبد القدوس التعبير عن آلامه والبوح بأسراره وذلك فى رسالة خاصة، كتبها إلى عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، وكان ألم إحسان من الحملة الصحفية الشعواء، وانتقال الهجوم عليه فى مجلس الأمة، بسبب روايته «أنف وثلاث عيون» التى بدأت مجلة روزاليوسف فى نشرها عام 1964..«راجع، ذات يوم، 4 مارس 2020».
تألم «عبد القدوس» من موقف الكاتب توفيق الحكيم السلبى من الهجوم عليه، ويكشف فى رسالته: «ذهبت إلى الأستاذ توفيق الحكيم وهو مجتمع بأعضاء لجنة القصة التابعة للمجلس الأعلى للفنون والآداب، وعرضت عليه الموضوع كله.. وقلت له إن القضية قضية أدبية، وإن لجنة القصة هى صاحبة الحق فى أن تبدى رأيها فى هذا الاتجاه الأدبي، فإذا وجدت أنه اتجاه ليس من الأدب فى شىء، أوأن نشره يعارض المصلحة العامة، توقفت عن السير فيه، رغم إيمانى به.. لأن الرأى هنا سيكون رأى لجنة من المختصين..ثم إنى لا أكتب فى هذا الاتجاه فحسب، ولكن معظم قصصى بعيدة كل البعد عن هذا الاتجاه، ورغم هذا فلو كان هذا الاتجاه صالحا للنشر فإن من حقى أن أسير فيه..و..و..».
تكلمت كثيرا.. وتفضل أعضاء اللجنة والأستاذ توفيق الحكيم، وأيدوا هذا الاتجاه، بل وهنأونى عليه فى حماس كبير.. فطلبت منهم أن يسجلوا رأيهم هذا فى محضر الجلسة..ليس للنشر فى الصحف فقط، ولكن فقط لألجأ إليه فى حالة تقديمى للمحاكمة إذا حدث وقدمت، وهنا تراجع الأستاذ توفيق الحكيم، وفهمت منه أنه لايستطيع أن يسجل هذا الرأى الأدبى المحض، إلا بعد استشارة الأستاذ يوسف السباعى «رئيس المجلس الأعلى للفنون والآداب»، وكان يقصد استثارة الحكومة، وخرجت من اجتماع اللجنة.. لست غاضبا ولكن يائسا.. وأرسلت خطابا إلى الأستاذ توفيق الحكيم أعتذر له عن التجائى للجنة».
يعقد «عبدالقدوس» مقارنة بين موقف الحكيم وموقف طه حسين فى قضية مماثلة، قائلا فى رسالته: «لعل سيادتك تذكر أن مثل هذه الضجة أثيرت عندما كتبت قصة «لا أنام» والتجأت يوما إليك عندما كنت مجتمعا بأعضاء نادى القصة، وتفضلت أيامها وأيدت موقفى وشجعتنى عليه، وكان التأييد الأدبى أيامها يكفى.. ولكن فى هذه الحملة الأخيرة لم يكن التأييد الأدبى يكفى لأن الحملة خرجت عن النشر فى الصحف إلى العرض فى ساحة مجلس الأمة.
يكشف «عبدالقدوس»: «حدث فى وسط هذه الأزمة، أن أعفيت من منصب رئيس مجلس إدارة مؤسسة روزاليوسف، ورغم أن السيد الرئيس جمال عبدالناصر أرسل لى متفضلا من يقول إن إعفائى ليس متعلقا بشخصى ولا يمس ثقته بى، إنما هو متعلق بظروف بعيدة عنى كل البعد ،إلا أننى ظللت مقتنعا بأن موقفى من الاتجاهات الأدبية كان له دخل فى إعفائى، ولم يكن إعفائى فى حد ذاته يهمنى، فقد كنت أسعى منذ زمن طويل لإعفاء نفسى من كل المسؤوليات الإدارية، ولكن كان كل ما يهمنى هو ألا يكون لإنتاجى الأدبى دخل فى هذا العناء، ثم تطوع بعض الناس اندفاعا وراء شهوة الظهور على صفحات الصحف إلى تقديم بلاغ ضدى فى النيابة للتحقيق فى القصة التى كتبتها، وحققت معى النيابة فعلا، ثم أحيل التحقيق إلى نيابة الآداب.. وهنا لم أحفل أن يحاسب أديب فى عصرنا هذا أمام نيابة الآداب كالعاهرات وكالقوادين.. واتصلت بالأستاذ يوسف السباعى، وقلت له إنى لوذهبت إلى نيابة الآداب، فسيذهب بعدى كل الأدباء.. وتفضل يوسف واتصل برئاسة الجمهورية، التى أقرت فى الحال بوقف تحويل القضية إلى نيابة الآداب..ثم حفظتها النيابة العامة.
كل هذا دون أن تناقش القضية مناقشة موضوعية من أساسها.. لم تناقش الاتجاهات الأدبية.. ولا حرية الأديب.. ولاحق الأديب فى التعبير عن الإنسان داخل مجتمعه..لا مناقشة إطلاقا.. أحسست بنفسى وحيدا.. وحيدا.. بعيدا.. بعيدا عن الحكاية كلها..وشعرت ببرودة شديدة تسرى فى عروقى.. برودة كأنها وخز الإبر.. وأرتعش.. وانكمش على نفسى أبحث عن الدفء فى داخلى.. ولكن البرودة فى داخل نفسى كانت أشد.. ولعلك ياأستاذى الكبير تذكر أنى فى آخر مرة زرتك فيها بصحبة أعضاء جمعية الأدباء، أنى ملت على أذنك، وقلت لك إنى فى حاجة إليك، فإنى أجتاز حالة نفسية تدفعنى إلى الاستجارة بك، وتفضلت سيادتك بأن وعدتنى بأن تحدد لى موعدا عندما أتصل بك تليفونيا، ولم أتصل بك.. عدت إلى نفسى فأحسست أنى تافه.. تافه إلى حد لا أستحق أن آخذ من وقتك شيئا».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة