كيف تشكل التاريخ القديم، بل كيف تشكل البشر من الأساس، كيف جاءوا إلى الأرض وعمروها، نجد فى ذلك دائما خطين لهذا الأمر، الأول يتعلق بالأديان، بينما يتعلق الخط الثاني بالأساطير، ومن هذه الأساطير أسطورة بروميثيوس سارق النار فى الحضارة اليونانية.
تقول الأسطورة إن بروميثيوس هو الذى كان مسئولاً عن خلق الإنسان لذلك قام بصناعة أشكال بشرية من التراب والماء وأعطاها الحياة وجعل هذا الإنسان يرفع رأسه لينظر إلى السماء.
ولأنه هو الذى خلقهم فقد وقع بروميثيوس فى حب الناس الذين خلقهم وفكر كيف يقدم لهم الخير والسعادة، وهذا الأمر لم يعجب "زيوس" كبير آلهة الأوليمب لذا شعر بالغضب لأن بروميثيوس فضّل الناس بمعاملته، فلقد أرادهم زيوس أن يكونوا خانعين وبائسين ولم يكن يرغب في أن تكون لهم أية قوة تجعلهم يتجرأون يوماً ما على الاستيلاء على مملكته.
برومثيوس
ولما جاء الخريف أطلق زيوس أول برد الشتاء ورأى بروميثيوس الناس يرتجفون من البرد ويظهرون علامات الأسى والحزن، وتنبه حينها أن للحيوانات جلود سميكة كثيفة الشعر كما أن بإمكانها أن تلجأ إلى الكهوف لكن الإنسان الضعيف البنية لم يتمكن من حماية نفسه.
ومن هنا تأثر بروميثيوس بآلام المخلوقات التي خلقها ففكر أن يحضرها إلى جبل الأولمب الذي لا يقربه فصل الشتاء، لكن زيوس كان هناك ولم يكن يسمح بدخول المخلوقات البشرية إلى مملكته. فكان على بروميثيوس أن يفكر بطريقة أخرى لمساعدة البشر.
تمثال
حينها قال بروميثيوس "أجل يمكن للبركان أن يمنح القليل من نيران المرجل"، وخرج ليلاً من جبل الأولمب وهبط بهدوء كي لا يكتشف زيوس أمر مغامرته، وعندما وصل إلى الأرض بحث عن كهف عميق إلى جانب البحر، ومن خلال مغارة بين الصخور أخذ ينزل وينزل عبر زوايا حجرية وفي نهاية الطريق المعتم خرجت شرارة من النار وقرع البوابة الضخمة لفوهة البركان بضربات قوية. وعندما دفع البوابة تفاجأ به البركان.
كان بروميثيوس يعلم جيداً أن البركان محظور عليه إيقاف نيران الآلهة لكنه حاول أن يستعطفه فقال له: لقد خلقنا الناس وهم منشغلون بعبادة زيوس لكن فصل الشتاء قد حلّ وهم يعانون من البرد ويموتون بسببه ولا يمكننا تركهم بلا رحمة.
فأجاب البركان: نعم لكنك تعلم جيداً أننا لا يمكننا فعل أي شيء من أجل إنقاذهم من غير أن يأذن زيوس بذلك. وتابع البركان عمله يصهر المعدن الأحمر الحي ليحوّله إلى صاعقة سماوية.
وفي تلك اللحظة قام بروميثيوس بإضرام شعلة دون أن يشعر البركان وهرب بها بين العتمة وسط الصخور.
في ذلك اليوم لحق الناس ببروميثيوس وأحاطوا به فقدّم لهم النار وقال لهم: يمكنكم أن تحافظوا عليها وتبقوها حية بأن تقدموا لها أغصان الأشجار اليابسة. ارتفعت صيحات الامتنان لصديق الناس ولكن زيوس استشاط غضباً عندما علم أن الناس امتلكوا النار وهو الذي كان قد أقفل عليها في جوف الأرض. فهبط إلى القبو ليسأل البركان: هل كنت أنت مَن منح النار التي أعطيتك لتخبئها؟ أجاب البركان بالنفي.
لكن زيوس لم يتوقف عن سؤاله حتى عرف الحقيقة وقال للبركان: أطعني الآن واصهر السلاسل الأكثر صلابة بنيران الكور هذه، سوف أقيد بروميثيوس بها هناك على صخرة في أقصى الأرض.
عاد زيوس إلى جبل الأولمب بينما بدأ البركان بصهر السلاسل ولما انتهى أخذها إلى صخرة كبيرة في القوقاز حيث كان هناك ينتظره رسل زيوس ومعهم بروميثيوس، وربط السلاسل في زندي بروميثيوس ورجليه وبقي مقيداً بها ووجهه مرفوع نحو السماء. وفوق الصخرة بدأ طائر النسر يحوم كي يلتهم أحشاءه يوماً بعد يوم.
وذات يوم مرّ "هيركولس" رمز القوة الجسدية بالقرب من الصخرة التي قيدوا بروميثيوس عليها ورأى كيف كان النسر يهبط ليلتهم الكبد من البطن المفتوح للرجل العظيم غير القادر على الدفاع عن نفسه فأحس بالغضب من قسوة التعذيب. واستل هيركولس قوسه الضخم ووضع السهم القوي وأطلقها على قلب النسر ثم صعد إلى الصخرة وبذراعيه الجبارتين حطم السلاسل والقيود.
عاد بروميثيوس إلى الأولمب ليواصل حياته مع الآلهة هذا في الأسطورة ولكن على الأرض لم ينسه الناس أبداً. ففي كل سنة يقيمون احتفالاً في المدن الإغريقية على ذكراه حيث يتناقل الشباب الأكثر سرعة والأكثر قوة في الجري يتناقلون في قبضاتهم جذوة مشتعلة ويركضون بها في احتفالات سباق تقليدية. وبذلك تنتهي هذه الأسطورة الشيّقة المليئة بالمغامرات، أسطورة سارق النار.