الظاهر أن انشغال العالم بمواجهة فيروس كورونا المستجد سحب الاهتمام من متابعة الصراعات السياسية والاقتصادية وإن لم ينهها، لكن الفيروس نفسه كان مجالا لتبادل الاتهامات والانتقادات ذات الظل السياسى، بين دول وأخرى، فى البداية كانت هناك انتقادات متبادلة بينت الولايات المتحدة والصين، أو إيران، فقد ظهرت اتهامات صينية لأمريكا باستغلال الفيروس فى مواجهة مكتومة، أو اتهامات غير رسمية بوقوف أمريكا وراء الفيروس الخطر، بينما اتهم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الصين بإخفاء معلومات عن الفيروس تسببت فى انتشارها، وكان يمكن مواجهته حال الإعلان مبكرا عن الفيروس، لكن الصين ردت على الولايات المتحدة بالتأكيد أنها أول من تعرضت للهجمات، واتهمت الولايات المتحدة باستغلال الأزمة لتصفية حسابات سياسية.
وفى نفس السياق تراجع قليلا الصراع الأمريكى الإيرانى، وانشغلت كل من طهران وواشنطن بمواجهة الفيروس، فى حين عرض ترامب فى بداية الأزمة مساعدة على إيران لمواجهة الفيروس، وهو ما ردت إيران عليه بالسخرية، لكن بشكل عام تراجع التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وأيضا تراجع إلى حد كبير الاهتمام بالصراعات الإقليمية مثل القضية السورية واليمنية وليبيا، وغيرها لانشغال العالم بمواجهة الفيروس، لكن هذا لا يعنى اختفاء الصراعات، لكن ربما تراجع الاهتمام الإعلامى بها وأيضا تركيز مستخدمى أدوات التواصل الاجتماعى على متابعة أخبار وتفاصيل انتشار فيروس كورونا فى العالم، وأيضا فى الدول التى توجد بها الصراعات التى تتعرض أيضا لهجمات الفيروس.
السياسة لا تغيب حتى تعود للحضور خاصة مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى اعتاد الظهور للحديث يوميا عن مستجدات الفيروس، لكنه فى كل مرة غالبا ما يوجه نقده لدولة أو جهة، وبعد أن قلل من خطورة الفيروس فى بداية شهر مارس، واجهت الولايات المتحدة هجمات كبيرة وتصاعدت العدوى تغير خطاب الرئيس الأمريكى، وأعلن عن إجراءات ضخمة لمحاصرة الفيروس، وإن كان ترامب تعرض لهجوم وانتقادات من الديمقراطيين وجهات إعلامية بأنه يهاجم الأطراف الأخرى لإخفاء تراخيه بمواجهة الفيروس.
لكن الرئيس الأمريكى لم يتوقف عن توجيه انتقادات لأطراف مختلفة، آخرها هجومه، على منظمة الصحة العالمية، واتهمها بـ«التركيز على الصين»، وقال ترامب فى تغريدة على تويتر: «أفسدت منظمة الصحة العالمية الأمر بالفعل، لسبب ما، ورغم أنها ممولة من جانب الولايات المتحدة، إلا أنها تركز على الصين، سنلقى نظرة على هذا الأمر»، وأضاف ترامب: «لحسن الحظ، رفضت نصيحتهم بإبقاء الحدود مفتوحة مع الصين فى البداية، لماذا أعطونا هذه النصيحة المغلوطة؟!».
ورد مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس جيبريسوس على انتقادات ترامب مطالبا الرئيس الأمريكى بعدم «تسييس فيروس «كوفيد-19»، ووجه حديث للرئيس الأمريكى فى مؤتمر صحفى «من فضلك لا تسيس هذا الفيروس إذا كنت لا تريد المزيد من أكياس الجثث.. رسالتى القصيرة هى: يرجى الحجر الصحى لتسييس كوفيد«.
وعاد ترامب ليجدد هجومه على المنظمة وقال إن جيبريسوس هو من يُسيّس الفيروس التاجى، وأنه يعتقد أن المنظمة تفضل أو تميل إلى الصين، وأضاف ترامب: «لا أصدق أنه يتحدث عن السياسة عندما تنظر إلى العلاقة التى تربطهم بالصين التى تنفق 42 مليون دولار، بينما نحن أنفقنا 450 مليون دولار «لصالح المنظمة»، ويبدو كل شىء على أنه فى جانب الصين، هذا ليس صحيحًا، ليس عدلاً، كان يمكن أن تنخفض أعداد الوفيات الناجمة عن كورونا إذا أعطت منظمة الصحة العالمية «التحليل الصحيح«،، وألمح إلى احتمال تخفيض مساهمة الولايات المتحدة فى تمويل المنظمة، وإن كان وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو قال خلال نفس المؤتمر: «هذا ليس الوقت المناسب»، لتغيير قيادة منظمة الصحة العالمية»، لكنه لم يعترض على دعوة ترامب لتقليص التمويل المحتمل للمنظمة. لكن معارضى ترامب من الديموقراطيين يتهمون الإدارة الأمريكية بالمسؤولية عما حدث، نظرًا لتساهلها من البداية مع خطر انتشار الفيروس، وأن الرئيس الأمريكى يبحث عن شماعات يعلق عليها أسباب الفشل، فضلا عن كونه يقترب من انتخابات رئاسية، وفى نفس الاتجاه يرى مؤيدو ترامب والجمهوريين أن الديموقراطيين هم من يسيسون الأزمة، بحثا عن مكاسب انتخابية.
الشاهد أن التسيس لم يتوقف مع فيروس كورونا، داخل أمريكا وخارجها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة