قرأت لك.. "السحر" من أين أتى وكيف رآه الكتاب المقدس؟

السبت، 11 أبريل 2020 07:00 ص
قرأت لك.. "السحر" من أين أتى وكيف رآه الكتاب المقدس؟ غلاف الكتاب
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نقرأ معا كتاب "السحر: مقدمة قصيرة جدًّا" من تأليف أوين ديفيز، وترجمة رحاب صلاح الدين، ومراجعة هبة نجيب مغربى، والصادر عن مؤسسة هنداوي، والذى ينطلق من فكرة أنه لطالما جذب مفهوم السحر وممارسته اهتمام علماء النفس والاجتماع، وعلماء اللاهوت والأنثروبولوجيا، والفنانين، والمؤرخين. وحتى اليوم، لا تزال قضية السحر تسيطر على الخيال الشعبي.

يقول الكتاب: لا يمكن أن نعتبر السحر جزءًا من الماضى، أو ننبذه بوصفه نتيجة مباشرة للجهل، أو نصنفه على أنه مرحلة تطورية من مراحل الفكر الإنسانى، على الأقل ليس من المنظور الثقافى، نعم، لقد قوَّض العلم أساس السحر بوصفه تفسيرًا للعمليات الطبيعية، لكنه لا يستطيع التغاضيَ عنه، فالسحر سيظل دائمًا بديلًا قائمًا، إن السحر بمعناه الواسع يشكل جزءًا من الحالة الإنسانية، والاعتقاد بأنه سيختفي في نهاية المطاف لا يعدو كونَه مجرد أمنية.

السحر
السحر

من أين أتى السحر؟ قبل ظهور علم الأنثروبولوجيا بوقتٍ طويل، ظل المثقفون يفكرون مليًّا في إجابة هذا السؤال، وغالبًا ما كانت الإجابة أنه أتى من الشرق، لكن ما مدى بُعد هذا الشرق الذي أتى منه السحر؟ يقدم لنا المفكر الروماني المناصر لمذهب الطبيعة بلينيوس الأكبر (٢٣–٧٩م) أول محاولة مدروسة لتصور تاريخ السحر؛ فقد ورد في كتابه "التاريخ الطبيعي" أنه كان هناك "إجماع عالمي على أن السحر بدأ في بلاد فارس بظهور زرادشت" وبناءً على حسابات القرن الرابع قبل الميلاد التي أجراها عالم الرياضيات الإغريقي يودوكسوس والفيلسوف أرسطو، قدَّر بلينيوس أن زرادشت قد عاش قبل ستة آلاف عام من زمن أفلاطون الذي وُلد في القرن الخامس قبل الميلاد. لكن السحر لم يجد طريقه إلى الغرب إلا خلال الحملة الحربية الفاشلة التي شنها الملك الفارسي خشایارشا على الإغريق، وقد كان هذا عام ٤٨٠ قبل الميلاد. وكان هناك ساحر يُدعى أوستانا — والذي اعتقد بلينيوس أنه أول من دوَّن السحر — يرافق خشايارشا "ونشر الوباء في العالم أينما حل خلال رحلتهما" وهكذا أصيب الإغريق — كما يذهب بلينيوس متحسرًا — باشتهاء السحر والجنون به. وذكر أن فيثاغورس وأفلاطون وإيمبيدوكليس وديموقريطوس ارتحلوا جميعًا إلى الشرق ليعرفوا المزيد عن السحر الذي نشره أوستانا ورفيقه المجوسي، اللذان اعتبرهما بلينيوس محتالَين وأحمقَين.

 

تميزت أعمال ديموقريطوس (٤٦٠–٣٧٠ق.م) بأنها الأكثر تأثيرًا في نشر منهج السحر الفارسى، ويُعزَى تركيز بلينيوس على ديموقريطوس — الذي اعتبره البعض "أبو العلم" إلى أنه كان مقتنعًا بما نُسب زورًا لهذا الرجل من ممارسة أعمال السحر والخيمياء (السيمياء). وكان من بين أبرز النصوص "كيروميكتا" الذي شرح الخصائص السحرية للنباتات والأحجار والحيوانات. كان المؤلف الفعلي لهذا النص — على ما يبدو — مصريًّا نال تعليمه في اليونان ويدعى بولس الميندسى، عرَّف بلينيوس فيما كتبه عن تاريخ السحر فروعًا أكثر حداثة من السحر، أحدها تفرع من "موسى وينيس ويمبريس واليهود، لكنه كان حيًّا بعد زمن زرادشت بآلاف السنين". وظهر فرع آخر في قبرص.

حذا بعض الكُتَّاب المسيحيين الأوائل حذو الإغريق والرومان في رد أصول السحر إلى عالم البشر، وتحديدًا إلى زرادشت وأوستانا، لكنَّ ثَمَّةَ أسماءً أخرى كانت بارزة، منها ملكان مصريان ساحران اسمهما نخت أنبو وبختانيس. لكن لما كان تاريخ السحر مغمورًا بالكامل في "رؤية عالمية" مسيحية، كان لا بد أن يحتويَ العهد القديم نسبة السحر إلى أصول ومواقع جغرافية. ظهر السرد الرئيسي في أدب مؤثر وملفق، مثل الرسالة الإكليمندية الزائفة التي تنسب للأب كليمنت أسقف روما، والتي انتشرت خلال القرن الرابع الميلادي. تقول الرسالة إن شياطينَ هي التي علَّمت البشر السحر، ويتوافق هذا مع تراث يهودي ورد في جزء من "سفر أخنوخ" يحمل اسم "الملائكة الساهرون" الذي ربما يعود تاريخه إلى القرن الثالث قبل الميلاد؛ إذ يذكر هذا الكتاب أن شياطين هبطت من عند الرب مدفوعة بدوافع الفسق التي جعلتها تتمرد وتهبط إلى الأرض لتتزوج من بنات البشر، وأنجبت عمالقة، وقد لقنت تلك الشياطين رفيقاتها الإناث السحر وعلم الأعشاب بينما كانت تستمع بحريتها.

كان تركيز المسيحية منصبًّا بشدة على انتقال السحر عبر سلسلة من الذكور؛ إذ ورد في "إقرارات" الرسالة الإكليمندية الزائفة أن حام بن نوح كان أول من مارس هذا الفن الشيطاني الفاسق الجديد، وقد ظل علمه بالسحر باقيًا بعد "الطوفان العظيم" ووصل إلى مصرايم ابنه، ومن ابنه إلى ذريته من المصريين والفرس والبابليين. وهكذا شُبِّه مصرايم بزرادشت (وإن كانت مصادر أخرى تذكر أن حام هو نفسه زرادشت). لكن إبيفانيوس — أحد آباء الكنيسة في القرن الرابع — كان يعتقد أن السحر ظهر قبل حام واختار أن ينسبه لجاريد ابن الجيل الخامس من ذرية آدم. يعد النمرود أيضًا شخصية بارزة في هذه الحكايات التاريخية الأولى عن السحر؛ إذ يقول العهد القديم إنه حفيد حام، وإنه عاش بالقرب من المراكز الحضرية الهامة في بابل وأوروك (الوركاء). وقد اكتسب شهرة أسطورية كصياد بارع وثائر في وجه الرب. يقول إبيفانيوس إن النمرود وضع أسس علم السحر، وتروي "الإقرارات" كيف تلقى علمه بالسحر في لمح البصر من أعلى، من السماء. وكان بعض الكُتَّاب الأوائل أيضًا يعتبرون أن النمرود هو نفسه زرادشت. وبصرف النظر عن السلالة التي انحدر منها، كانت الرؤية المسيحية اليهودية تذهب إلى أن السحر أنتجه البابليون أو الفرس أو المصريون، الذين تعلم موسى منهم حيلة أو اثنتين.

أضاف العهد الجديد شخصيات جديدة إلى قصة بداية انتقال السحر؛ إذ يظهر سيمون المجوسي أولًا في العهد الجديد في سفر أعمال الرسل، الذي يصفه بأنه رجل سامري "كان قد مارس السحر في المدينة من قبل". ويروي لنا السفر قصة تعميده، وعتاب بيتر إياه لأنه عرض المال مقابل الحصول على سر الشفاء من خلال الروح القدس بحيث يشفي من يضع يده عليه. ليست هناك تفاصيل أخرى أكثر من ذلك، لكن تحوُّل سيمون إلى مجوسي وساحر بارع وأب لكل البدع أوردتْه نصوص كُتبَت في القرنين الثاني والثالث الميلاديين. وتزعم إحدى مخطوطات القرن الرابع الميلادي — على سبيل المثال — أن سيمون تُوُفِّيَ بعد محاولته الطيران. ظلت الأسطورة تخضع للإضافة والمبالغة والتحريف على مر القرون الثمانية عشر اللاحقة.

خلال العصور الوسطى، برز سليمان المذكور في الكتاب المقدس — والذي طالما استُخدم اسمه في ممارسة السحر — في الصدارة على افتراض أنه أصل السحر أو الحكمة، اعتمادًا على وجهات النظر المعاصرة المختلفة في هذا الصدد؛ فقد صيغت كتب السحر التي تدَّعي أنها تحوي تفاصيل بشأن طقوسه والسحر الذي استخدمه لإخضاع الجان وتحقيق التنوير الروحي. ثَمَّةَ رمز أسطوري آخر من رموز السحر هو هرمس طريسمي جيسطيس — الاسم الذي ظل حيًّا في هذا المجال لعدة قرون — الذي قيل عنه إنه ألَّف آلاف الكتب في العلم والغيبيات أو "الفنون الغامضة". فلما كان هرمس شخصية متعددة الهويات باعتباره إلهًا وبشرًا، ومزيجًا توفيقيًّا من الإله المصري تحوت والإله اليوناني هرمس، أصبح شخصية بارزة في تراث السحر إبَّان عصر النهضة في القرن الخامس عشر، لا سيما عقب العثور على مخطوطات عن الفلسفة الغيبية زُعم أنه مؤلفها وتُرجمت إلى اللاتينية.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة