نواصل مع المفكر العربى الكبير جواد على (1907- 1987) قراءة تاريخ القبائل العربية وأيامها وعلاقاتها الخارجية وذلك من خلال كتاب "المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام" وسؤال اليوم: من هم أهل الكهف والرقيم؟
يقول جواد على "لا بد لى وقد انتهيت من الحديث عن النبط وعن "الكورة العربية" من الكلام عن أهل الكهف والرقيم، الذين ذكروا فى القرآن الكريم "أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً" إذ ذهب بعض علماء التفسير إلى أن الرقيم واد دون فلسطين فيه الكهف، وهو قريب من "أيلة"، كان اليهود قد أوحوا إلى المشركين من أهل مكة، أن يسألوا الرسول عنهم، امتحانًا له، وكانوا يتداولون أخبارهم، ويروون قصصًا عنهم، وكان شائعًا فاشيًا إذ ذاك بين النصارى أيضًا، فجاء الجواب عنهم فى سورة "الكهف".
وهناك من زعم أن "الرقيم" على فرسخ من "عمان"، أو قرية صغيرة بالقرب من البحر الميت، أو أنها "البتراء": وذلك بالإضافة إلى روايات أخرى رجعت مكان "الكهف" إلى "أفسس" "أفسوس"، بالأناضول، أو إلى أماكن أخرى لا داعى إلى ذكرها فى هذا المكان، لعدم وجود علاقة لها بهذا البحث.
وقد بحث عنها المتخصصون، كما قامت بعثات أثرية بالبحث عن كهف "أهل الكهف" فى الأماكن المذكورة، للتأكد عما جاء عنه فى الموارد النصرانية والإسلامية، فإليها أحيل من يريد التبسط فى الكلام عنه، ولقد تبين الآن أن الكتابات المدونة عند مدخل "الشق" فى "البتراء"، لا صلة لها بأهل الكهف، وإنما كتبت تخليدًا لذكرى جماعة من اليونان البارزين جاءوا من "جرش" فوافاهم أجلهم بـ "البتراء"، ماتوا قبل "أصحاب الكهف" بأمد.
وقد شرح تلك الكتابات "ستاركى "Starkey وذهب الباحثون فى "دائرة الآثار فى المملكة الأردنية الهاشمية" إلى أن كهف "أهل الكهف"، هو "كهف الرجيب"، وهو على مقربة من قرية صغيرة تدعى "الرجيب"، وجدت بداخله مدافن يرجع عهدها إلى زمان القيصر "ثيودوسيوس الثانى " "Theodosius II" "408-450م"، الذى فى زمانه كان بعث أهل الكهف، وذهبوا إلى أن اسم هذا الموضع فى القديم هو "الرقيم"، تحول إلى "الرجيب" فيما بعد، وأيد هذا الرأى الأستاذ "هج نيلى" "Hugh Nilley" الذى زار الموضع ودرسه، وكتب مقالًا عنه.
وذهب من رأى أن كهف الرجيب هو "كهف أهل الكهف"، إلى أن دخول الفتية الكهف، كان فى أيام الطاغية "تراجان" "91-117م" المشهور، فاتح "الكورة العربية" ومؤسسها والآمر بإنشاء الممر الحربى المعروف باسم "طريق تراجان" وبانى مدينة "أيلة" الرومانية وصاحب الملعب الرومانى والآثار العديدة للمبانى التى أقامها بعمان وبمدن أخرى من الأردن، وقد كان شديدًا عاتيًا قاسيًا على النصارى، عدهم خونة مرقة خارجون على الدولة والقانون لذلك أصدر أمره سنة "112م" بقتل كل نصرانى لا يخلص للقيصر والدولة، فخاف منه النصارى وتكتموا، وكان من جملة من تكتم وانزوى "أصحاب الكهف".
ووجدت البعثة الأميركية لمدرسة الأبحاث الشرقية بالتعاون مع دائرة الآثار الأردنية فى موضع "أم الرجوم" الواقع على بعد "15" كيلومترًا شمال "عمان"، آثار بئر قديمة استدل من كتابة عثر عليها مدونة على جدارها أنها تعود إلى ما قبل الميلاد. وأن الموضع المذكور هو حصن من الحصون التى كانت تدافع عن مدينة "ربة عمون"، عاصمة مملكة "عمون"، التى عاشت بين القرن الثالث عشر والقرن السادس قبل الميلاد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة