الريف المصري الحزين والبائس بكل مظاهر الحياه فيه قبل ثورة 23 يوليو 1952 كان له النصيب الاكبر فى الافلام السينمائية المصرية التى تناولت الاوبئة والأمراض وبخاصة وباء الكوليرا والذين عاشوا تلك الفترة أو دونوها يذكرون أن الاقدار لم ترحمه وترحم اهله المساكين من الفقر والجهل والبؤس بل أنزلت عليه ايضا المرض والوباء.
عدد قليل فقط من الأفلام التى تجرأت على معالجة قضية الوباء فى مصر وانتاجها يحتاج الى مؤسسة دولة أو منتج ذو حس وطني ولديه رسالة وطنية واجتماعية
ولا يتجاوز عدد الافلام التى تناولت هذه القضية ما بين 3 الى 5 أفلام ولكن يبرز طوال تاريخ السينما المصرية فيلمان وحيدان يتعرضان بشكل عميق قصة الوباء فى اطار الصراع الاجتماعي والثقافي مع الفقر والمرض والظلم والاقطاع قبل ثورة يوليو 52 ... وهما "صراع الأبطال" و"اليوم السادس"، اللذان تناولا انتشار وباء الكوليرا في مصر.
لكن هناك افلام مرت مرورا سريعا فى معالجتها السينمائية للوباء مثل فيلم الزوجة التانية الذى يحتل المرتبة 16 فى قائمة أهم 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية. ورغم التناول السطحى للوباء فى الفيلم الا أنها مازالت مشاهد المرض محفورة فى الذاكرة والوسائل التراثية والتقليدية فى العلاج. وايضا فيلم شفيقة ومتولى بطولة أحمد زكي وسعاد حسني.
لكن هناك فيلم نادر في تاريخ السينما المصرية الفيلم الذي تعرض لوباء الكوليرا وربما يكون هو الفيلم الوحيد الذى تناول المرض فىى الريف المصرى الفقير بل وتنبا به قبل ثورة يوليو بسنوات هو فيلم «عاصفة على الريف» الذي أخرجه أحمد بدرخان عام 1941. يتناول الفيلم وباء الكوليرا من خلال طبيب يواجه الجهل والمرض في إحدى القرى النائية، والفيلم مأخوذ عن مسرحية كان يوسف وهبي قد عرضها عام 1934 عن قصة لبديع خيري بطولة يوسف وهبي نفسه وحسين رياض، وهى المسرحية التي وصفها يوسف وهبي في مذكراته " "عشت ألف عام"بأنها تنبأت بالوباء وانتشاره في مصر بعدها بسنوات عام 1947.وهو ماحدث بالفعل أي بعد عرض المسرحية للجمهور بثلاثة عشر عاما. الفيلم بطولة يوسف وهبي وأمينة رزق ومحمود المليجي وحسين رياض وفاخر فاخر
يقول يوسف وهبى فى مذكراته" افتتحت موسم 1934 بمسرحية "هكذا الدنيا"، وهى من المسرحيات التي أفخر بها، فقد كانت مسرحية إعلامية جادة، رسمت فيها صورة صادقة للكوارث التي كانت تحدث في ريفنا المصرى بسبب العادات والتقاليد التي تبنى على الجهل".
يتابع:"من هذه العادات تفضيل أهالي القرية لحلاق القرية على الطبيب في علاجهم، إضافة إلى انصياعهم للأفاقين والدجالين الذين كانوا يعالجون المرضى بالتعاويذ والأحجبة".
وأضاف:"أيضا تنبأت المسرحية بمرض الكوليرا وانتشاره في مصر كوباء وهو ما حدث بالفعل وراح ضحاياه الألوف من المصريين".
ويواصل "ولأن المسرحية كانت هادفة فقد حذرت المواطنين الذين كانوا مازالوا يؤمنون بالسحر والشعوذة ليمتنعوا عن زيارة الدجالين، أو إلقاء الجثث المصابة بالأوبئة والجراثيم في مياه النيل والترع وامتناعهم عن الاستعانة بالطبيب عند المرض أو الولادة.. وقد نجحت المسرحية مما دفع المخرج أحمد بدرخان من شدة إعجابه بها فأخرجها في السينما باسم "عاصفة على الريف" ونجح الفيلم نجاحا كبيرا".
وعندما نعرف ان الفيلم من إنتاج شركة مصر للتمثيل والسينما التى اسسها الاقتصادي الكبير طلعت باشا حرب عام 1924 ضمن الانشطة التى يقوم بها بك مصر وشركاته فى اطار الاستقلال الوطنى للاقتصاد المصرى يصبح من الطبيعى الا نندهش أن فيلم قبل يوليو يكشف عورات النظام ويفضح الظلم والفقر والحياه القاسية للريف المصرى.
يدور حول إصرار الدكتور أشرف علي محاربة وباء الطاعون، وصراعه مع كل رموز الدجل والشعوذة في القرية «حلاق الصحة والعمدة والعطار»، وهكذا واجه الدكتور أشرف الكثير من المشكلات معهم، نظرا لأنهم يتكسبون من بيع الوهم «المتمثل في الشعوذة والدجل والخرافة»، من خلال بعض الوصفات، سواء من محل العطارة أو بواسطة أنواع من التركيبات، التي يدعي الدجالون أنها «مقاومة لمرض الكوليرا» وبالرغم من كل محاولات الدجل والنصب علي الفلاحين واستنزاف مواردهم القليلة، فإنه لم يتم القضاء علي الوباء، واستمر الفشل في مقاومته، وكان لفقدان الوعي لدي الفلاحين من جهة وتقصير أجهزة الدولة من جهة ثانية أن يكون الانتصار لفريق الدجالين والمشعوذين، وتكون الهزيمة من نصيب دكتور القرية «رمز العلم»، وبالرغم من تآمر قوي التخلف «بهدف تحقيق مصلحتهم الشخصية علي حساب الفلاحين» فإن بطل الفيلم «رمز العلم» لم يتراجع عن مواجهتهم إلي أن تحقق له النصر في النهاية بعد القضاء علي وباء الطاعون.
صراع الأبطال
وفي عام 1962 أخرج توفيق صالح أحد أهم الأفلام التي تناولت الوباء، وذلك من خلال فيلمه القوي والبديع «صراع الأبطال» الذي أنتجه عز الدين ذو الفقار وشارك في كتابة قصته مع السيناريست عبد الحي أديب عن قصة محمد أبو يوسف، وقام ببطولته شكري سرحان وسميرة أحمد وصلاح نظمي ونجمة ابراهيم، هذا الفيلم الذي صنف علي أنه من أفضل مائة فيلم في السينما المصرية واحتل المركز رقم49...
ووفقا لنقاد كثيرين فان هذا الفيلم استطاع برؤية واضحة لمخرجه أن يلفت الأنظار إلى حقائق علمية كثيرة عن الكوليرا ووسائل مكافحتها لم تكن معروفة للمصريين وقتها، في سياق درامي كاشف لخلفيات صراع المصالح في الريف، ونجح توفيق صالح كعادته في توصيل رسالته الاجتماعية المهمة. والفيلم لسوء الحظ لا يعرض كثير وربما لم يعرض سوى مرة أو مرتين فقط على شاشات التليفزيون
يحكي الفيلم قصة الطبيب الشاب شكري الذي يذهب للعمل في إحدى قرى الصعيد النائية إبان فترة الاحتلال الإنجليزي، وهناك يصدمه الواقع الإجتماعي القاسي والظروف الاقتصادية الصعبة لأهل القرية، ويصطدم الطبيب الشاب بوجود الجنود الإنجليز في القرية، وكذلك بالجهل المطبق على الأهالي، ويجد نفسه في مواجهة عدوين لدودين هما الإقطاعي عادل بيه الذي يستغل أهل القرية ويسخرهم لخدمة أغراضه لمزيد من الثراء، وثانيهما قابلة القرية التي تقوم بتوليد النساء بطريقة بدائية، تتسبب في موت كثيرات منهن، وخلال مواجهته لعدويه ينتشر وباء الكوليرا في القرية بسبب قيام الأهالي بتناول بقايا الطعام الفائض من الجنود الإنجليز.
يتصدى الطبيب الشاب لعادات أبناء القرية المساكين التي كانت سببا لإصابتهم بالكوليرا، لكن القابلة والإقطاعي، يبثان في أذان القرويين الغلابة أن الطبيب يتعالى عليهم وأنه يستغلهم لمصلحته وأبحاثه، خاصة بعد أن يستخرج جثة شخص مات بالكوليرا ليؤكد للأهالي أن الكوليرا تتفشى بينهم بسبب الطعام الذي يتناولونه، ويعتبر الأهالي أن الطبيب هوعدوهم الأول، وفي سياق آخر يرتبط شكري بالمدرسة عفاف التي كان الإقطاعي يريد الزواج منها، ويستمر الصراع ويبدو شكري على مشارف الاستسلام للأمر الواقع إلى أن تأتي قوة من الشرطة لتمنع أهل القرية من مغادرتها حرصا على عدم انتقال الكوليرا لقرى أخرى، ويستمر شكري في علاج أهالي القرية المصابين حتى يتم شفاؤهم ويدرك الأهالي كم كانوا سذجا ومخدوعين، ويصدر قرار حكومي بتعيين شكري مسئولا عن مكافحة الكوليرا، لينتقل هو وزوجته عفاف إلى قرية أخرى ليكافح الجهل والفقر والمرض،
وتعرض الفيلم لمحور آخر شديد الأهمية هو أن الجنود الإنجليز كانوا يلقون بقايا طعامهم للفلاحين، مما تتسبب في انتشار المرض بين أهل القرية، ليكتشف الطبيب ببعض الفحوصات التي أجراها أن المرض هو وباء الكوليرا، وحين طلب الطبيب من الأهالي أن يكفوا عن تناول الطعام الذي يرمي إليهم، رفض الفلاحون تنفيذ تعليماته، وقبل أن يتبين له بشكل قاطع أن المرض هو وباء الكوليرا، ولكي يقنعهم بوجهة نظره لجأ إلي استخراج جثة ميت لتشريحها ليتيقن أن الداء هو الكوليرا لكنه يقع فى صراع مع التقاليدوالموروثات البالية والجهل فقد اتهمه الفلاحون المساكين والبؤساء بانه اجرم .في حق التقاليد وحق الدين..وكاد شكري ان يستسلم لولا أن وزارة الداخلية أرسلت إليه قوة لحمايته، وكذلك لمحاصرة بيوت الأهالي لمنعهم من الخروج بمرضهم إلي خارج القرية... وبفضل هذا كله تمكن شكري من شفاء الأهالي، وبالتالي أثبت أنه كان علي حق، أما الوزارة فعينته مسئولا عن مكافحة الكوليرا، الأمر الذي جعله ينتقل إلي قرية أخري مع زوجته هذه المرة، للقيام بالمهمة ذاتها.
الزوجة التانية
أما عام 1967 عاد الحديث عن وباء الكوليرا، مع تقديم المخرج صلاح أبوسيف فيلمه الشهير "الزوجة الثانية"، الذي قام ببطولته صلاح منصور، وسعاد حسني، وشكري سرحان، وعبدالمنعم إبراهيم، ومحمد نوح، وحسن البارودي، وسهير المرشدي. وظهر خلاله المأمور "إبراهيم الشامي"، وهو يحدث العمدة "صلاح منصور" عن الوباء وتفشيه، ودور الحكومة في مواجهته.
والمأساه بكل الحزن،، يصطحبنا ابو سيف عبر الكاميرا الي قلب الريف المصري الذي نشأ به لنتعرف على خفاياه ومشكلاته، بكل الحرفيه والسلاسه يخرج أفضل ما في طاقم العمل مع ابداع صلاح منصور وسناء جميل وسعاد حسني وشكرا سرحان وعبد المنعم ابراهيم و سهير المرشدي ومحمد نوح وحسن البارودي كل هذا الذي أخرجه ابو سيف في واحد من أروع أعماله ينم عن تلك المهاره الفنيه والرؤيه العميقه للعمل وكيفية إبرازه في افضل صوره ممكن،،
ويأتى هذا الفيلم الرائع ليكون وثيقة سينمائية هامة فى تاريخ السينما المصرية ليفضح الظلم بشتى أنواعه ويؤكد أن الانتصار دائماً للحق والخير والجمال، فهى فعلاً دنيا وفيها كل إشى وكل من جاها مشى وكل ظالم انخسف والحق هو اللى اتنصف. وتوتة توتة فرغت الحدوتة.
هذا الفيلم العبقري .. مأخوذ عن قصة قصيرة للأديب المصري المبدع أجمد رشدي صالح في ( 20 صفحة ) من القطع المتوسط بالمجموعة القصصية المنشورة بنفس الأسم ( الزوجة الثانية )
الفيلم مختلف تماماً عن القصة .. ربما البعد الإنساني في الفيلم أكثر تدفقاً وأكثر أنسيابية .. كما انه أختلق شخصيات جديدة رغم هامشيتها إلا أنها أثرت في وجدان المتلقي تأثيراً يوازي التأثر بالشخصيات الرئيسية مثل شخصية ( الغفير ) التي قام بها العبقري عبد المنعم إبراهيم .. هذا لا يقلل من قيمة القصة فكما يقول اساتذة الدراما فالقصة أو الرواية منسوبة لكاتبها وراويها أما الفيلم المأخوذ عنها فمنسوب للمخرج الذي أخذ عنها وقام بعمل الفيلم والمخرج هنا هو المخرج: صلاح أبو سيف الذي استعان بالقيمة الإبداعية في كتابة السيناريو للاستاذالكبير سعد الدين وهبة بخياله التصويري اللامحدود .. فصار الفيلم وكأنه وثيقة سينمائية هامة توثق مرحلة مهمة عن طبيعة المناخ الاجتماعي في مصر حينذاك
ربما مايؤخذ على الفيلم ويحسب للقصة أن الفيلم غفل ( كارثة ) الملاريا التي اجتاحت صعيد مصر في منتصف الثلاثينات وقتلت الكثير من الفلاحين وأكتفى الفيلم بأن يجعل العمدة يمرض بالملاريا كعقاب إلهي بينما القصة ذكرت الكارثة التي لم ينجو منها أحد حتى العمدة
اليوم السادس
في عام 1986 قدم يوسف شاهين فيلم «اليوم السادس» من إنتاجه، الفيلم شارك به عدد كبير من الأسماء اللامعة في السينما المصرية وتشارك بطولته كل من: محسن محي الدين، شويكار، حمدي أحمد، صلاح السعدني، سناء يونس، عبلة كامل، محمد منير، والفنان العراقي يوسف العاني، كما أن بعض مشاهد العمل شهدت ظهور يوسف شاهين.عن قصة للكاتبة “أندرية شديد”، بنفس الاسم
ويحكي قصة حول انتشار مرض الكوليرا في أربعينيات القرن العشرين وتدور أحداثه حول قصة حب ابطالها محسن محيي الدين "عوكة"، الذي يقع بحب داليا التي تفقد كل عائلتها بسبب الوباء الذي يضرب القاهرة، ولا يبقى لها أحد سوى ابنها الصغير والذي يفصله عن الموت 6 أيام فقط. ويحاول محيي الدين وداليا الهروب من الموت وانقاذ حبهما وحياة الطفل ويخوضان رحلة الحياة نحو مدينة الاسكندرية الغير موبوءة، لكن في نهاية الفيلم ينتصر المرض على الحب وعلى الطفل الذي يسقط ضحيته أيضا.
خلال هذا العمل الرائع يعرض شاهين كيف يصبح الكوليرا شبحاً يهاجم كل سكان القاهرة ويتركهم عالقين على ضفاف الموت. ويرجع سبب انتشار الوباء بكثرة الى عدم تخلص السكان من ملابس ومقتنيات الضحايا الأمر الذي جعل المرض يستشرس أكثر. ويعود السبب الرئيسي في عدم تخلصهم من أدوات الضحاية الى الفقر الشديد فهم لم يكترثوا الى مخاطر الكوليرا بقدر ما فكروا بخساة ثمن هذه المقتنيات بالاضافة الى أن الفقر يجعل الناس غير مبالية بصحتها ما جعل الكوليرا يحصد أرواح السكان.
وفي عام 1997 قدم المخرج سيد سعيد فيلم "القبطان" من بطولة محمود عبدالعزيز، مصطفى شعبان، وفاء صادق، ولطفي لبيب. وتطرق العمل إلى تفشي وباء الكوليرا في مدينة بورسعيد، عقب حرب 1948.
عدد الردود 0
بواسطة:
امجد
غلطة كبيرة شوية دي
داليدا في اليوم السادس مش شويكار