المصرى معروف من قديم الأزل بفطرته التى تختلف عن كل شعوب العالم، فهو الإنسان الوحيد الذي ينبض وطنية بوضوح شديد وقت الأزمات، والمتأمل لهذا الأمر منذ عمت جائحة "كورونا" سوف يلحظ أن الشعب المصري بكل طوائفه اجتمع منذ البداية على قلب رجل واحد، فالجميع يبذل قصارى جهده من أجل عبورهذه الأزمة بسلام، والمتتبع أكثر لكل الأزمات التى تعرض لها المصريون على مدار تاريخهم منذ عهد الفراعنة وحتى اليوم سيجده صلباً وصلداً فى مواجهة أى أزمة تتعرض لها البلاد.
وفي أزمة "كورونا" التى ضربت العالم أجمع مؤخرا، ومن بينها مصر، أثبت المصريون الحقيقيون أن المواطنين والدولة يد واحدة، ففى الوقت الذى اتخذت فيه الدولة الإجراءات الاحترازية، استجاب المواطنون لها بشكل واضح وظاهر، ما يعنى أن رحماء على بعضهم وقت الأزمة، مهما كانت الخلافات والتناقضات الموجودة بالأساس داخل التركيبة النفسية والاجتماعية المتربسة عبر السنين والأزمات التي مرت بمصر.
ومعروف جيدا أن المصريين وقت الشدائد والأزمات، يظهر معدنهم الطيب، فلا يوجد قرار أو إجراء احترازى إلا وتجاوب معه المواطنون بشكل لافت للأنظار، وتجمع المواطنون فى مثل تلك الأزمات والشدائد على هدف واحد، هو أنه لابد من الاصطفاف صفاً واحداً حتى تعبر البلاد هذه الكارثة الخطيرة، ويمكننا القول أن 95% من المصريين نجدهم ملتزمين بتوقيتات حظر التجوال، والإحساس بالواجب وكذلك الامتثال للقوانين الملزمة، ما يؤكد أن الفترة الحالية تثبت أن المصريين أصبحوا أكثر وعياً وتفاؤل.
لقد وجدنا أصالة المصريين ووطنيتهم تتجليان مؤخرا فى أحلى صورهما، من خلال التجاوب مع القرارات والإجراءات الاحترازية، وكان آخرها قرار حظر التجول الذى استجاب له المصريون، فقبل حلول الساعة الثامنة مساء تجد الشوارع باتت خالية، والكل امتثل للقرار الاحترازى، لأنهم يدركون جيدا أنه يهدف بالدرجة الأولى إلى الحفاظ على صحة وسلامة المواطن، وكذلك الحال مع كل المحلات والكافيهات وغيرها حيث يمتثل الكل للقرارات الاحترازية التى اتخذتها الحكومة فى هذا الصدد مطبقا التعليمات برحابة صدر.
وهذا بالطبع يرجع بالدرجة الأولى إلى قناعة شخصية وإيمان عميق لدى المواطن المصري بأن حكومته تعمل من أجله ولصالحه، وخوفاً على سلامته وصحته، بخلاف شعوب أخرى فى العالم - كما رأينا وشاهدنا على شاشات التليفزيون - لم تتجاوب مع قرارات حكوماتها، ومن ثم وقعت الكارثة التى جعلت هذا الوباء يجتاح تلك الدول بشكل يدعو إلى الحزن والأسى، لكن طبيعة المصرى - كما ذكرنا سالفا ونؤكد من جديد - أنه شعب أصيل يدرك بفطرته ووعيه أن التماسك والتكاتف هما السبيل الوحيد للنجاة من هذه الأزمة.
ولقد لفت نظري معدن المصريين في وقفهم إلى جانب بعضهم البعض في تلك الأزمة من خلال المبادرات اليومية التي تدعو للتعاون والتكاتف والوقوف إلى جانب "العمالة اليومية" التي أصبحت مسئولية مجتمعية تقع على الجميع وليس فئة واحدة من المجتمع، وربما كان لـ "بنك الطعام " الدور الأكبر في تلك المبادرة، لكن لاننسى أن البنك مدعوم من شركات ومؤسسات حكومية وخاصة ورجال أعمال وطنيين، وحتى أفراد وجماعات وشباب وفنانون ورياضيون من مختلف الأعمار والطبقات، انخرطوا جميعا في عمل إنساني يستهدف مقاومة الجوع.
أيضا تلك المشاركات اللافتة فى حملات التبرع ومبادرات الخير، للتكفل بمئات الأسر الفقيرة والأكثر احتياجا، ورسم البسمة على وجوههم، وتوفير الوجبات الغذائية مجاناً للعمالة اليومية والأيتام وذوى الاحتياجات الخاصة، وكذلك دور ربات البيوت لتخفيض الأسعار، وبذل الكثير من الجهد من أجل الآخرين، ولا نتعجب حينما يطلق علينا أشقاؤنا العرب "ولاد بلد جدعان"، فعلى مدار السنوات الماضية تعرض المصريون لأزمات اقتصادية وأمنية وسياسية وحروب إعلامية قذرة، ولكن ما جعل مصر تقف صامدة أمام تلك الأزمات هو شعار " كلنا ايد واحدة"، وهكذا أعلنها الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى أحد خطاباته.. حينما قال: "انتوا قلقانين من إيه مفيش مجال للقلق لأن احنا مع بعض وطول ما احنا مع بعض محدش يقدر يعمل فينا حاجة"، فدائما المصرى تجده فى الشدائد وأحلك الأوقات والظروف يعطى الأمل والتفاؤل لينهض الجميع كرجل واحد ويصطف الجميع كالبنيان المرصوص ليحقق المعجزات والانتصارات على الأزمات مهما بلغت شدتها أو آثارها المخيفة على كاهل هذا الشعب العظيم.
ولعل الرسالة السامية التي وضعها "بنك الطعام" مع شركائه في مقاومة الجوع كهدف أسمى يعمل من خلاله في ظل منظومة محكمة نحو مشروع عظيم المعنى والأثر في جعل مصر خالية من الجوع، وهنا يعمل "البنك" على الحالات المعدمة تماماً، تلك التي ليس لديهم القدرة على العمل والكسب منهم الأرامل، الأيتام، المرضي بأمراض مزمنة، المسنين، و بعد العمل في هذا المجال خلال الـ 7 سنوات السابقة، وبدراسة الحالات المسجلة دراسة دقيقية، وجدوا أن هناك حالات قادرة على العمل ولكن لا يعرفون من أين البداية، وعليه فبدأوا ببرامج التنمية التي من خلالة يقومون بتوفير الطعام للشخص القادر على العمل وقت تعليمه حرفة معينة ليتمكن من العمل بها، و بعدها يقوم هو بالعمل بما تعلمه ليكسب رزقه بنفسه.
وفي إطار دعم المواطن أينما كان قام "بنك الطعام" بالتعاون مع بعض الهيئات الحكومية بتغطية حي "الأسمرات" ضمن مبادرة "دعم العمالة اليومية مسئولية"، حيث قام البنك بالوصول لأكثر من 12.5 ألف أسرة من أهالي الحي، واستطاع البنك أن يحقق خطوات ناجحة في تنفيذ المستهدف والوصول إلى نصف مليون كرتونة، بفضل التفاعل من جميع أطياف المجتمع، والدعم من رئاسة مجلس الوزراء المصري، والدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الذين تبنوا مبادرة "دعم العمالة اليومية مسؤولية" المقدمة من البنك.
يذكر أن بنك الطعام المصري أول من قدم يد العون للعديد من المؤسسات الخيرية في كل محافظات مصر، ويمتلك تعاونا مثمرا مع عدد 4365 جمعية خيرية، كما يمتلك قاعدة بيانات تضم مليون أسرة، من بينها 693 ألف أسرة مستحقة من خلال الجمعيات، إضافة لدور الأيتام ودور المسنين، وأطفال التغذية المدرسية وغيرهم.
ورغم كل الجهود الحثيثة من جانب البنك وشركائه، إلا إنه تبدو لي ملاحظة مهمة في هذا الصدد، وهى أن تلك التبرعات تعد قليلة ولاتكفي أبدا لمواجهة تنامي أعداد "العمالة اليومية" في ظل الاجتياح الذي لايتوقف لهذا الفيروس اللعين، ومن ثم وجب علينا أن ننصت جيدا إلى حملات دفع زكاة رمضان مقدما فربما تكون فائدة هذه الزكاة في وقت الأزمة أكثر نفعا من دفعها في أيام الصيام.
ولقد أثلج صدري وصدر كل مصري ذلك التبرع الذي تلقته السفيرة نبيلة مكرم وزيرة الهجرة، من خلال اتصال من رجل الأعمال المصرى بدولة الإمارات العربية "بيشوى عماد عزمى"، الرئيس التنفيذى لإحدى شركات المقاولات، للإعلان عن دعم الشركة للحكومة المصرية بمبلغ 50 مليون جنيه مصرى لدعم العمالة غير المنتظمة والمتضررة من فيروس كورونا، لتكون أول مشاركة فى الحساب من مصرى بالخارج.
وكان عدد من رجال الأعمال المصريين بالخارج قد شاركوا فى مؤتمر "مصر تستطيع بالاستثمار والتنمية"، وبادروا لدعم صندوق تحيا مصر حساب الكوارث والأزمات لدعم جهود مواجهة جائحة الكورونا، ومنهم كثيرون ممن رفضوا ذكر أسماءهم رغم تبرع الواحد منهم بمبلغ 100 ألف دولار، إضافة إلى تلقى الصندوق تبرعات أخرى رمزية من مصريين بالخارج، ومن جانبها أشادت وزيرة الهجرة بالدور الوطنى للمصريين بالخارج، مؤكدة أنهم كل يوم يثبتون مدى ارتباطهم بالوطن فى كل التحديات ولا ينسون مصر مهما اشتدت الظروف أو بعدت المسافات.
ومن جانبه أعلن الأزهر الشريف عن تقديم إعانة مالية لدعم العمالة اليومية وغير المنتظمة التي تضررت من إجراءات منع تفشي فيروس كورونا في البلاد، وضمن الدعم الاجتماعي لمشيخة الأزهر أطلق بيت الزكاة والصدقات استمارة بيانات إعانة بيت الزكاة لدعم العمالة الموسمية التي تضررت، وتقديم إعانة مالية سيتم مضاعفتها خلال شهري أبريل ومايو، كما أعلن الإمام الأكبر عن تبرعه بخمسة ملايين جنيه لصندوق تحيا مصر للمساهمة في مواجهة فيروس كورونا الذي تحاربه الحكومة وتمنع انتشاره بين المواطنين.
ولاننسى أن ما تقوم به القوات المسلحة، وهو الدور الذي اعتاد عليه المصريون من جانب جيشه العظيم وقت الشدائد، كما حدث في زلزال 1992، فكان للجيش دور كبير في إنقاذ المئات من تحت الأنقاض، وكذلك الحال في السيول التي حدثت في أسيوط، حيث كان للجيش دور مهم في إنقاذ مصر من العديد في الكوارث وطرف رئيسي في إنقاذ المصريين، وأن ما نشاهده اليوم من جانب الإدرات المختلفة التابعة للقوات المسلحة هو رسالة قوية وواضحة بأن مصر قادرة على استيعاب أكبر عدد من المصابين، من خلال تجهيز مستشفيات وتركيب مستشفيات ميدانية وأدوات الوقاية، بالإضافة إلى مد المجتمع بسلع غذائية وقت الطوارئ، ويبقى الشعب المصرى هو البطل الحقيقى فى معركة تجاوز أزمة كورونا، وهو قادر وقوى، تكسبه المحن والشدائد عزيمة على تخطى الصعاب مهما كانت، وكم مرت عليه المحن ونجح فيها باقتدار بالغ، وسينجح بإذن الله تعالى في تجاوز هذه الأزمة الطارئة.
وما يؤكد عظمة هذا الشعب هو تصديه بفهم ووعي لتلك الدعوات خبيثة لشق الصفوف يقودها أعداء الوطن محاولين التلاعب بعقول المصريين واستغلال مشاعرهم وتوجيه أفكارهم، من أجل زعزعة استقرار الوطن وإثارة الذعر والهلع والخوف فى النفوس، فى ظل أزمة كورونا، حيث ينتقدون جميع القرارات التى اتخذتها الحكومة لحماية المواطنين من تفشى الوباء، منها قرارات إعلان حالة الطوارئ الصحية وإغلاق المساجد وفرض حظر التجوال بعد الساعة الثامنة مساء، وسعت تلك الفئة إلى نشر معلومات غير صحيحة عن الأزمة لإظهار الدولة بمظهر ضعيف أمام مواجهة الأزمات.
تراهم يلقون بالأخطاء على مؤسسات الدولة وينشرون الشائعات والأخبار والبيانات المغلوطة والأفكار المضللة والهدامة للمجتمع وتشويه الحقائق والإنجازات، ويتملصون من واجبهم تجاه المجتمع وأفراده، كاسرين بقواعد حظر التجوال عرض الحائط ويسيرون فى مسيرات ليلية بدعوى "رفع بلاء وباء كورونا" وسط الزحام دون الالتزام بالتعليمات الآمنة، ويرددون آيات قرآنية وعبارات منها: "يا كورونا قولى الحق انتى فيروس وله لأ"، ويلقون بأنفسهم وبالآخرين فى الخطر، داعين المواطنين من شرفات منازلهم إلى التكبير.
تلك المواقف العبثية التي ظهرت داخل مقاطع فيديو متداولة حول وجود أشخاص بمدينة الإسكندرية يستخدمون مكبرات للصوت ويرددون التكبيرات ويردد المواطنون والأطفال خلفهم، ولا تنتهى محاولات تلك الفئات المحرضة عند هذا الحد، بل لجأت إلى تصنيع كمامات غير مطابقة للمواصفات وبيعها فى الشوارع وأمام محطات المترو، والأماكن المزدحمة، بالإضافة إلى احتكار السلع الأساسية وزيادة أسعارها، للضغط على المواطنين وإظهار الحكومة بشكل عاجز عن مواجهة الأزمة الحالية.
إنها حالة عبثية من جانب هذه الجماعة الخبيثة في أفكارها التي تخاصم العقل والمنطق والدين، لكن الشعب المصري يتصدي بقوة ووعي لكل تلك الدعوات والحملات انطلاقا من أن هذه الجماعة لا تراعي المصلحة العامة لهذا الوطن في هذا الوقت الحساس من عمر مصر المحروسة بأبناء شعبها الطيب وجيشها العظيم الذي يشكل الجدار القوي الذي نستند إليه جميعا..حمى الله مصر بشعبها وجيشها ورد كيد الحاقدين.