اعتبر الأنبا إبراهيم إسحق بطريرك الكاثوليك، أنَّ قيامةَ المسيح دعوةٌ إلى الثِّقةِ والرَّجاءِ، وهي عربونُ الحياةِ الَّتي لا تموت، مضيفا: بقيامةِ المسيح، يشعرُ الإنسانُ بأنَّه غير مخلوق للموت وهي البذرةٌ الَّتي تُحوِّل العالم وترقى به، وتجعل منَّا مخلوقين خلَّاقين.
وأضاف في رسالة عيد القيامة المجيد:نصلي من أجل وطننا الحبيب مصر، ومن أجل فخامة الرئيس عبدالفتَّاح السيسي لينعم الرب عليه بالصحة والنعمة ليواصل خدمته للوطن مع جميع المسئولين وكل من يقوم بعمله بإخلاصٍ وأمانة.نلتمس شفاعة أمنا مريم العذراء، الشاهدة الأمينة على قيامة المسيح، كي يبارك الله تعالى شعب مصر ويحفظه من كلِّ شرّ.
قسم البطريرك كلمته في عيد القيامة المجيد إلى أربعة محاور وهي كالتالي:
1-أَعرِفُ المسيح
في تأملنا يوم الجمعة كان هناك سؤال من هو يسوع الَّذي نعرفه نحن؟ وفي حديثنا عن الجمعة العظيمة وعيد القيامة يظهر لنا أن يسوع الذي عرفه بولس الرسول ونعرفه نحن ليس هو المصلوب فقط، ولا هو المنتصر فقط وإنَّما هو المصلوب القائم. تمامًا مثل خميس العهد فيسوع يؤكد أنَّه السيِّد والرَّب، ولكنَّه يغسل أقدام تلاميذه وهو عمل الخادم، لذلك فهو السيِّد الخادم أو الخادم السيِّد.
في لحن أيُّها الابن الوحيد الجنس "أومونوجينيس" يوم الجمعة العظيمة يقول:"الذي أظهر في الضعف ما هو أعظم من القوَّة". فيسوع يظهر في مظهر الضعف التامّ ولكنه في الجوهر أقوى من صالبيه. هذا هو يسوع المسيح الذي عرفه الرسل ونعرفه نحن اليوم.
2-وقُوَّة قِيامَتِهِ
مَنْ أحبَّ إلى حد بذل حياته لا ينزل إلى الموت بل يصعد إلى حياة أسمى، فالحب أقوى من الموت وحيث الحب أهم من الحياة أي الاستعداد بالتضحية في سبيل مَن نحبّ.
بهذا الحبّ أحبنا يسوع، حبّه لنا ولأبيه، ولم يتراجع أمام الموت بل أجبر الموت على التراجع أمام حبه. وحده حب المسيح لأنه متحدٌ بقوَّة الله الآب يمكن أن يمنح حياةً وخلودًا وهذه هي قوَّة قيامة المسيح.
فبموته يحررنا المسيح من الخطيئة وبقيامته يفتح لنا المدخل إلى حياة جديدة، وهذه الحياة الجديدة هي أولا التبرير الذي يعيدنا إلى نعمة الله، وتقوم هذه الحياة في التغلب على موت الخطيئة والاشتراك في النعمة، كما يؤكده بولس الرسول بقوله: "فدفنا معه في موته بالمعمودية لنحيا نحن أيضًا حياة جديدة ..." (رو6: 4).
فالحياة بعد قيامة المسيح اتخذت مساراً جديداً، وأخلاقاً جديدة ورجاء جديداً. وقوَّة قيامة المسيح ينالها الإنسانبنواله سرّ المعموديَّة، الذي هو الاشتراك في موت وقيامة المسيح، ونوال الولادة الروحيَّة الجديدة.كما يقول القديس بطرس في رسالته الأولى:"تبارك اللهأبو ربِّنا يسوع لأنَّه شملنا بفائق رحمته، فولدنا بقيامة يسوع المسيح من بين الأموات ولادةً ثانية ً لرجاءٍ حي" (1بط1: 3).
3-اختبار القِيامَة والشهادة لها
تبدلت اللغات والتعابير والعادات والاحتفالات والمؤسسات المسيحيَّة وتفرعت كثيرًا منذ العنصرة وسوف تتبدل وتتفرع، ولكنَّ الأمر الوحيد الثابت المشترك، بيننا وبين الرسلوبين كل أجيال الكنيسة، هو الإيمان بيسوع القائم من الأموات. وهذه البشرى اهتزّت لها الأرضُ فرحًا منذ أكثر من ألفي عامّ.
إنَّ اختبار القيامة والشهادة لها،هو انطلاقًا من معرفتنا بيسوع المسيح المصلوب القائم من بين الأموات. فالكنيسة في جوهرها شهادةٌ لقيامة المسيح، وما تاريخ المسيحيَّة سوى لقاءات بشر بيسوع، وما القدِّيسون سوى شهود يعلنون أنَّ يسوع لم يمت ومازال فاعلًا في العالم، فموت يسوع وقيامتُه غيرا مجرى التَّاريخ.
جميلٌ أن تكون لنا سحابةٌ كثيفةٌ من شهود الماضي لقيامة المسيح، ولكن أين شهود الحاضر؟ أفرادًا وجماعات؟مَنْ يؤمنون بقيامة المسيح ويشهدون بفرحٍ ورجاءٍ، ويؤكدون أنَّ القيامة ليست وهمًا ولا خدعةً وإنَّما حقيقةٌ نعيشُها في حياتنا اليوميَّة بقوةِ قيامة المسيح وعمل روحه القدوس فينا.
فنردد مع القدِّيس بطرس الرسول، في عظته في سفر أعمال الرسل، "قتلتم سيِّد الحياة، فأقامه الله من بين الأموات، ونحن شهودٌ على ذلك" (أع3: 15)
إنَّ قيامة المسيح أسست بشرية جديدة، ووضعت قيماً روحية تقود الفرد والأسرة والمجتمع في طريق النور والخلاص، وعلَّمت أنَّ الحياة أقوى من الموت، وأنَّ الإنسان يحملُ رسالةً من الله، ومسؤولية عن أخيه الإنسان وعن الكون.
عيد القيامة هو عيدٌ لقيامةِ ويقظةِ ضميرِ وقلبِ وعقلِ كلِّ إنسانٍ.
4-على رَجاءِ قِيامَتي مِنْ بَينِ الأمواتِ
ما هي قيامتي؟ مماذا أقوم؟ وما هو الحجر الَّذي يحتاج إلى أن يُدحَرج عن القبر؟ كثيرًا ما نعيش تحت ثقل أحجارتُطبِقُ علينا في حياتنا.
تبدأ قيامتنا مع يسوعباختيارنا الحرّ الواعي بين الآلام الخلاصيَّة المحيية والآلام المصنوعة الَّتي تُميت وهنا ربطٌ بين الجمعة العظيمة وعيد القيامة.
فماذا أختار من المواقف، مثلًا: موقف الشَّعب: بين الوعي واليقظة أو الانقياد الأعمى، موقف يهوذا:بين الإخلاص أوالمصلحة الشَّخصيَّة والخيانة، بطرس:بينالشجاعة أو الخوف، بيلاطس:بينالوقوف بجانب الحق والدفاع عنه أو السلبية وغسل اليد، التلاميذ: بينالثبات في مواصلة اتباع المسيح أو الانهزام والهروب.
وفي يومنا هذا هل أنا من المتضامنين مع الناس أو من المتاجرين بآلامهم؟ هل أنا أساعد أم أستغّل الموقف وأغتني على حساب عوز النَّاس.
أقوم مع المسيح متى اخترتُ الموقف الإيجابيّ الذي يُخلِّص ويُحيي، (مثال الكاهن الَّذي ترك جهاز التَّنفس للشاب وضحَّى بحياته)، وأظلُّ في القبر مادمتُ في الموقف السَّلبيّ الَّذي يُميت (مثال الجشع في التجارة وتهريب المخدرات).
أقوم مع المسيح واختبر قوَّة قيامته، متى اخترتُ أن أحيا معه المحبَّةِ والغفرانِ والتَّضامنِ، والرَّجاءِ الثابت بأنَّ كلَّ تجربةٍ تتحوَّلُ إلى نعمةٍ وكلّ حزنٍ يتحوَّل إلى فرحٍ وكلَّ موتٍ إلى قيامةٍ.
الجدير بالذكر أن بطريرك الكاثوليك يترأس صلوات قداس العيد مساء اليوم بمقر الكلية الإكليريكية الكاثوليكية بالمعادي دون حضور جماهيري.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة