نواصل مع المفكر العربى الكبير جواد على صاحب كتاب "المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام" البحث عن ماضى القبائل العربية وتاريخها وعلاقاتها الداخلية والخارجية، واهم رجالها: واليوم نبحث فى سيرة "عمرو بن هند".
يقول جواد على:
خلف المنذر على مُلك الحيرة بعد وفاته، ابنه عمرو بن هند المعروف بـ "مضرط الحجارة"، وهو لقب يشير بالطبع إلى قوة ابن هند وشدة بأسه، وقد عرف عمرو بأمه "هند بنت عمرو بن حجر الكندى آكل المرار"، فهو كندى من جهة أمه، وعرف أيضًا بـ "محرق الثانى" على رواية حمزة1، وبـ "المحرق" فى رواية لغيره. وقد كان له من الأشقاء من أمه: قابوس والمنذر.
ويرى بعض الباحثين احتمال كون "هند" من "آل غسان"، وإليها ينسب دير هند. ويرى أن حكم ابنها عمرو كان فيما بين السنة "554" والسنة "569م".
وزعم ابن الأثير أن الذى تولى الملك بعد المنذر بن ماء السماء هو ابنه المنذر ابن المنذر بن ماء السماء المعروف بـ "الأسود"، وأنه لما استقر الأسود وثبت قدمه جمع عساكره وسار إلى الحارث الأعرج طالبًا بثأر أبيه، ونزل برج حليمة، ووصل الحارث إلى هذا الموضع كذلك، واقتتل الطرفان أيامًا ولم ينتهيا إلى نتيجة. فلما رأى الحارث طول الوقت، نادى فى فتيان غسان: "يا فتيان غسان من قتل ملك الحيرة زوجته ابنتى هندًا". فلما سمع ذلك لبيد بن عمرو الغساني، شد على الأسود فقتله، وانهزم أصحابه، فنزل لبيد واجتز رأس الأسود، وأقبل به إلى الحارث، فألقى الرأس بين يديه، فوافق الحارث على إعطاء لبيد ابنته، ثم إن لبيدًا انصرف ليواسى أصحابه، فرأى أخًا للأسود يقاتل الناس، فتقدم لبيد فقاتل فقتل، ولم يقتل فى هذه الحرب بعد تلك الهزيمة غيره. وانهزمت لخم ثانية، وكثر فيها القتل. وذكر الأخباريون أن هذا اليوم هو من أيام العرب الكبرى إذ سار الأسود بجمع من عنده من عرب العراق، وأقبل الحارث بجميع من كان عنده من عرب الشأم. فجعلت هذه الرواية بعد المنذر ابنه المنذر الأسود وجعلته صاحب مرج حليمة.
وتذكر رواية أن جيش الحارث الأعرج بن جبلة أسر كثيرًا ممن كان مع المنذر من العرب، وفيهم مئة من تميم، فيهم شأس بن عبدة. ولما سمع أخوه علقمة، وفد إلى الحارث مستشفعًا وأنشده قصيدة مدح طويلة، فمن عليه، وأطلق له الأسرى من تميم، وكساه وحباه.
وهناك رواية أخرى عن مقتل المنذر بن المنذر، خلاصتها: أن الحارث بن أبى شمر جبلة بن الحارث الأعرج خطب إلى المنذر ابنته هندًا، وقصد انقطاع الحرب بين لخم وغسان فوافق المنذر على ذلك. غير أن هندًا أبت عليه ذلك، فحقد الحارث على آل لخم. فلما خرج المنذر غازيًا، بعث الحارث جيشًا إلى الحيرة، فانتهبها وأحرقها، فانصرف المنذر عن غزاته وسار يريد غسان. وبلغ الخبر الحارث، فجمع أصحابه وقومه، فسار بهم، فتوافقوا فى عين أباغ. فاصطفوا للقتال، واقتتلوا قتالًا شديدًا، وحلمت ميمنة المنذر على ميسرة الحارث وفيها ابنه، فتقلوه وانهزمت الميسرة. وحملت ميمنة الحارث على ميسرة المنذر، فانهزم من بها وقتل مقدمها "فروة بن مسعود بن عمرو بن أبى ربيعة بن ذهل ابن شيبان"، وحملت غسان من القلب على المنذر فقتلوه، وانهزم أصاحبه فى كل وجه، وقتل منهم خلق كثير، منهم ناس من بنى تميم، ومن بنى حنظلة، ووقع عدد فى الأسر، ومن هؤلاء الأسرى: "شأس بن عبدة" شقيق علقمة ابن عبدة من شعراء الجاهلية المعروفين. فالقتيل فى هذه المعركة وعلى هذه الرواية إذن هو المنذر بن المنذر بن ماء السماء، لا المنذر بن ماء السماء.
وقد تشكى ابن الأثير كما تشكى قبله حمزة من اختلاف الأخباريين فى الروايات، ومن تضارب الروايات بعضها ببعض، ومن تقديم الأيام وتأخيرها، وفى الشخص المقتول، فذكر أن من الأخباريين من يقول أن يوم حليمة هو اليوم الذى قتل فيه المنذر بن ماء السماء، ويوم أباغ هو اليوم الذى قتل فيه المنذر بن المنذر، ومنهم من يقول بضد ذلك، ومنهم من يجعل اليومين واحدًا، فيقول لم يقتل إلا المنذر بن ماء السماء، وأما ابنه المنذر فمات بالحيرة. وقيل أن المقتول من ملوك الحيرة غيرهما. وقد رجح ابن الأثير رواية القائلين أن المقتول هو المنذر بن ماء السماء، ورجح أيضًا رواية من يقول إن المنذر بن المنذر لم يقتل، وإنما مات حتف أنفه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة