مسكين المواطن فى كل أنحاء العالم، وهو يجلس مستسلما هاربا من فيروس غامض يطارده والعزلة بناء على آراء الأطباء، وفى نفس الوقت يتعرض لكميات هائلة من الأخبار والأرقام التى تضاعف من ألمه وخوفه وإحباطه. المواطن العالمى المحلى يستمع ويقرأ مئات الأخبار والتقارير، تقدم أرقام الضحايا بالتفصيل محليا وعالميا، وأخبار أخرى تتحدث بتفاؤل عن قرب اكتشاف علاج أو لقاح، وأخرى تغلق أبواب الأمل، وتتوقع الأسوأ.
وبينما بعض الأخبار تحمل بعض الأمل فى احتمالات اختفاء الفيروس فى الشهور القادمة، يأتى خبر آخر منسوب لعلماء يتوقع استمرار الفيروس معنا، واحتمالات تحوره ليظهر فى أشكال جديدة أشد فتكا. وكلا الرأيين منسوب لعلماء، لكنه فى الواقع مر قبل أن يصل لمواقع التواصل بفلاتر بعض أنواع من الفضوليين والمرضى، يعيدون بناء الأرقام بما يجعلها أكثر إثارة، حتى يحصل الفضولى على لايكات وإعادة تشيير لكلامه الذى يحمل عنوانا علميا وهو مجرد فبركة.
عرف العالم أوبئة وكوارث فى الماضى، لكنه لم يكن يراها ويتابعها، وسط هجمات للأرقام والإحصائيات التى ترصد أعداد الإصابات والوفيات، التى يتسلمها خبراء كل شيء على مواقع التواصل، ليبدأوا عمليات طرح وجمع وضرب وقسمة، ويبدأوا فى شرح التفاصيل بكل عمق وشعور بالمعرفة.
نحن فى عالم التواصل لسنا أمام علماء أو أخبار علمية، لكنا أمام أنصاف جهلاء كل منهم تتلبسه حالة اليقين التحليلى، ويتسلم كلام العلماء ليحوله إلى أرقام وإحصائيات أخرى، وكل هذه الاستعراضات فى الواقع لا تعنى أصحابها صحة العالم ولا تمثل تعاطفا مع البشر، لكنها تعكس شعورا فضوليا مع ادعاء معرفة، والنتيجة أن هؤلاء المدعين هم من يضاعفون من مشاعر الخوف والرعب، وليس الحذر بين الناس محليا وعالميا.
وللأسف أن من بين هؤلاء المدعين إعلاميون وممتهنو صحافة يفترض أن يلتزموا بقواعد ومواثيق الشرف فيما يتعلق بتأكيد أو نفى الأخبار، والتعامل مع مصادر وليس مع حسابات فيس بوك أو تويتر.
ولا أحد يعرف ماذا يمكن أن يستفيد مئات «الفسابكة»، وهم يعيدون نشر نفس الرقم عن أعداد الإصابات بالفيروس والوفيات، أو نشر معلومات مكذوبة عن إصابات بالعشرات فى قصر العينى أو معهد القلب، وهو ما جرى قبل أيام واتضح أنه غير صحيح.
طبعا هناك من ينشر هذه الأخبار المفبركة بسوء نية وتعمد، لكن هناك من يلتقطها ليعيد نشرها ومعها رعب وخوف بين العاملين والأطباء والأسر. كل هذا من أجل أن يرضى المدعى الفضولى إحساسا زائفا بالمعرفة.
مرات كثيرة أشار الخبراء فى مجال التواصل وعلم النفس، إلى وجود شخصيات تحمل مواصفات مرضية وأحيانا إجرامية على مواقع التواصل، لكن مع الأزمات الكبرى مثل فيروس كورونا، تتكشف أكثر هذه الأمراض النفسية، أو الميول الإجرامى لدى قطعان من المدعين يساهمون فى نشر الرعب والإحباط، وبعضهم يقدم نظريات فى الموضوعية.
والواقع أنه مع انتشار أدوات التواصل، فقد أصبحت أدوات إعلام، يفترض أن يطبق عليها ما يطبق على النشر، خاصة فيما يتعلق بالمعلومات وقت الأخطار والكوارث، لأن من ينشر خبرا مفبركا، أو مصنوعا، لو علم أنه سيدفع غرامة فى كل مرة، سوف يفكر قبل نشر ما يثير رعب الناس وخوفهم.