سعيد الشحات

ذكريات صحفية.. حينما قال لي الشاعر محمود درويش "طلع الكاسيت اللي أنت مخبيه من السويتر "

الجمعة، 24 أبريل 2020 01:37 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أطل الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، فناداه سميح القاسم :"محمود..تعالي يامحمود" ..فجاء محمود ".

كنا في نوفمبر 1988، وكان اتحاد الفنانين العرب ينظم أسبوعا احتفاليا باسم"حماية المقدسات الفلسطينية" في فندق شبرد، بحضور ياسر عرفات رئيس منظمة التحير الفلسطينية (لم يكن هناك دولة فلسطينية بعد)..وشهد الأسبوع أمسيتين للشعر، واحدة في مسرح الجمهورية، للشاعرين محمود درويش وسميح القاسم، وألقي درويش قصيدة "هي أغنية" و"علي هذه الأرض مايستحق الحياة" وألقي سميح قصيدته"شخص غير مرغوب فيه" .

وكانت الأمسية الثانية في مسرح البالون، لدرويش وسميح ومريد البرغوثي وأحمد دحبور، وألقي درويش قصيدة "أسميك نرجسة حول قلبي" المهداه إلي سميح، وخلالها غلبت الدموع سميح، ودرويش يخاطبه :"أمازلت تؤمن أن القصائد أقوي من الطائرات/إذأَ كيف لم يستطع امرؤ القيس فينا مواجهة المذبحة ".

كان الحضور حاشدا في الأمسيتين، وكان الاحتفاء بسميح كبيرا لأنه يزو مصر لأول مرة قادما من فلسطين المحتلة، وفي اليوم التالي لأمسية "البالون" ذهبت إلي الفندق، للقاء الشيخ عبد الحميد السايح، رئيس المجلس الوطني الفلسطيني حسب موعد مسبق، وكان معي صديقي المصور محمد السهيتي، وفوجئت بأنه ترك اعتذارا لاستدعاء مفاجئ في رئاسة الجمهورية، فوقفت محبطا، وإذا بصديقي الكاتب الصحفي مجدي حسانين"رحمه الله" يظهر، وكنا نعمل سويا في مركز"صاعد" للخدمات الصحفية، شرحت لمجدي ماحدث، فهدأ من غضبي، واقترح أن نذهب إلي "الاستقبال".

كان سميح يجلس في الاستقبال وحيدا، فذهبنا إليه، وكان مجدي أجري معه حوارا في اليوم السابق.. طالبنا بإصرار أن نجلس معه، وبينما يستغرقنا الكلام، وسعادته البالغة بزيارته بلد عربي لأول مرة، إذ بمحمود درويش يظهر بهيبة، فناداه سميح، وجاء.

تبادلنا أنا ومجدي نظرة تعني أننا أمام صيد صحفي ثمين، لا يقتصر علي إمكانية الحوار مع درويش، النادر في الحوارات صحفية، وإنما معه ومع سميح في جلسة واحدة بكل ما بينهما من صداقة عمر، ونضال، وشعر بدأ في فلسطين المحتلة .

قدمنا سميح إليه بمحبة وتقدير قائلا:"مجدي حسانين، صجفي" و"سعيد الشحات، صحفي" ..فرد متبرما :"صحافة .صحافة..بلاش صحافة"، لكن سميح طمأنه بتقدير لنا:"لا،لا،اطمئن دي جلسة أصدقاء، وصحفيين ممكن تحبهم"..قال ضاحكا :"ممكن آه، وممكن لأ..الأفضل تكون جلسة أصدقاء"، وواصل كلامه معبرا عن ضيقه من ملاحقة الصحفيين قائلا:"أسئلتهم واحدة: مارأيك في إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة؟..إلي أين تذهب القضية الفلسطينية؟.. وأضاف ضاحكا :"أسئلة ضعيفة ومملة، والصحفي يطاردك في كل وقت، لكن أنا احترفت الهروب ".

كان درويش يتحدث، وكنت أفكر في كيفية كسر حالته لنفوز صحفيا بالجلسة، وإذا بي استحضر في ذاكرتي حوارا قرأته منذ سنوات أجراه معه مفيد فوزي في عمان، ونشرته مجلة الدوحة القطرية، أظن أنه كان في بداية الثمانينيات "القرن الماضي"، وقت أن كان الناقد رجاء النقاش رئيس تحريرها، وكتب مفيد في مقدمته مامعناه:"أقصر الطرق إلي قلب محمود درويش، أن يعرف أنك تحفظ شعره"..فقررت أن أجرب هذه الحيلة، خاصة وأنا ومجدي نحفظ كثيرا من أشعاره، فسألته:"شاعرنا الكبير، ودون صحافة، أريد أن أعرف منك، كيف كتبت قصيدة "أحن إلي خبز أمي"؟.

تركني ألقي القصيدة، وكأنه يختبرني، فتحول إلي حالة انبساط، قائلا:"ياه، ياه" ثم توجه بنظره إلي سميح:"فاكر، فاكر ياسميح"، وسميح يهز رأسه، وبدأ في سرد القصة..مددت يدي إلي الجيب الداخلي للسويتر الذي أرتديه لأضغط علي زر تشغيل كاسيت صغير أضعه فيه، فربما تتغير الأمور ونندم بسبب عدم التسجيل، وإذا بدرويش بلمحة بالغة الذكاء يفاجئني ويدي في جيبي، قائلا: "طلع الكاسيت" فضحكنا جميعا، وأخرجت الكاسيت لنسجل جلسة نادرة، انضم إليها، الفنان كرم مطاوع، والكاتب الروائي يوسف القعيد، والشاعران الفلسطينيين، أحمد دحبور، وهارون هاشم الرشيد

 

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة