يقول الحق سبحانه وتعالى: «وجاهدوا فى الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم فى الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم»، ويقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: «بعثت بالحنيفية السمحة» رواه أحمد، ويقول صلى الله عليهم وسلم: «يسروا ولا تعسروا»، فالتيسير ورفع الحرج معلم أساسى من معالم هذا الدين الخالد الذى بعث الله به نبيه، صلى الله عليه وسلم، نورا وهداية للعالمين، ولا تتخلف شريعة من شرائع الله أبدا عن هذا المعنى، فما من فريضة فرضها الله سبحانه وتعالى إلا وحفها بألوان من الرخص ورفع المشقة والحرج، بما يجعل التكليف والتشريع والإقبال على الله عز وجل متسعا فسيحا يشمل الإنسان فى جميع أحواله وأوقاته، فلا يوجد إنسان مطرود من رحمة الله، لأنه عاجز عن الإتيان بالتكاليف الشرعية لعذر أو مرض أو عدم إطاقة ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولا يكلفها الله إلا ما أتاها أى أقدرها عليه ومدها بأسباب القوة الممكنة من الإتيان بالتكاليف على الوجه الصحيح بلا حرج ولا مشقة وفى مسند أحمد عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ»، وفى رواية عند ابن حبان: «كما يحب أن تؤتى عزائمه».
والله سبحانه وتعالى عندما ذكر رخص الصيام فى رمضان ختم هذا بقوله سبحانه وتعالى: «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر»، فقد وضع الله الصيام عن المسافر والمريض بقوله: «فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر»، فالصائم المقيم والصحيح متشرع بشرع الله سبحانه، وكذلك المفطر المسافر أو المريض أيضا متعبد لله تعالى بتلك الرخصة، روى مسلم فى صحيحه عَنْ أَنَسٍ رَضِى اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى السَّفَرِ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فِى يَوْمٍ حَارٍّ، أَكْثَرُنَا ظِلًّا صَاحِبُ الْكِسَاءِ، وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِى الشَّمْسَ بِيَدِهِ، قَالَ: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ، وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ، فَضَرَبُوا الْأَبْنِيَةِ وَسَقَوْا الرِّكَابَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْر».
وروى مسلم أيضا عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِى رَضِى اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى رَمَضَانَ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، فَلَا يَجِدُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ، يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ، فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا، فَأَفْطَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ«.
وكذا كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة وأصحاب المهن الشاقة الذين يؤذيهم الصيام أو يحتاجون إلى تعاطى أدوية معينة أثناء فترة الصيام، كل هؤلاء يفطرون بلا حرج ويخرجون الكفارة وهى إطعام مسكين عن كل يوم أفطروه، وعلينا أن نعلم أباءنا وأمهاتنا من كبار السن الذين يؤذيهم الصيام ويضعفهم وقد يتسبب فى كوارث صحية لهم أن الله تبارك وتعالى يحب منهم أن يفطروا كما يحب من الأصحاء أن يصوموا.
والمرأة الحائض تفطر وجوبا ولا ينعقد صومها حتى لو امتنعت عن الطعام والشراب مشاركة للصائمين، بل يجب عليها قضاء الأيام الفائتة بعد رمضان ولا كفارة عليها.
ولا حرج على أهل البلاد التى يطول فيها النهار جدا إلى أكثر من ثمانية عشرة ساعة بحيث يخرج يومهم عن حد الاعتدال، أن يبدؤوا صيامهم من فجر بلادهم ويفطروا مع أهل مكة أو مع أقرب البلدان إليهم اعتدالا فى نسبة النهار إلى الليل بحيث لا يطول النهار عن ثمانية عشرة ساعة كما بينا، يريد الله بكم اليسر، والحمد لله رب العالمين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة