"بددهم يهوه من هناك على وجه كل الأرض، فكفوا عن بناء المدينة. لذلك دعى اسمها بابل، لأن يهوه هناك بلبل لغة كل الأرض"، هكذا جاء في سفر التكوين بالتوراة، وهكذا يعتقد الكثيرون في نشأة اللغات، حيث يقال إن سلالة من أبناء النبى نوح، شرعوا فى بناء برج بابل، وذلك لرغبتهم أن يوصلوه إلى السماء، لكن الإله السرمدى فرق الألسن (أي بلبلها) بحسب السفر ليمنعهم من تحقيق أمنيتهم وشتتهم بعدئذ فى مغارب الأرض ومشارقها.
يقدر علماء الفيلولوجيا عدد اللغات المنطوقة الآن عند البشر بثلاثة آلاف لغة، كثير منها لغات محدودة ينطق بها عدد قليل من الناس، واللغات الرئيسية التي يتكلم بها أكثر من مليون شخص للغة الواحدة تزيد قليلا على المائة لغة.
صورة تخيلية لبرج بابل للرسام بيتر برويغيل (1563)
نشأت اللغات
ولعل أمر نشأة اللغات في العالم من الأشياء المختلف عليها، ولا يوجد رأى ثابت فيها، فبينما هناك اعتقادات دينية مثل واقعة برج بابل، أو الاعتقاد بأن العربية كانت اللغة الأم التي تحدث بها أدم أبو البشر، وبين ما يرى أن اللغات ظهرت مع ظهور الإنسان، وطرق التعبير التي عبر بها الأوائل.
وتشير بعض الدراسات البحثية في نتائجها بأن البابلية هي اللغة الأم القديمة التي تكلم بها البشر منذ ما يزيد عن 5000 عام، وذلك ربما تماشيا مع أن أقدم سجلات مكتوبة ومعروفة حتى الآن فهي صور الكلمات السومرية المكتوبة قبل حوالي خمسة آلاف وخمسمائة عام، أي في حدود 3500 ق.م، فيما وجدت سجلات مكتوبة باللغة الصينية ترجع إلى قبل ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة، أي في حدود 1500 ق.م، كما وجدت سجلات بالكتابة الهيروغليفية المصرية القديمة قبل خمسة آلاف عام.
ويعتقد أن السومرية تكونت من البابلية كلغة أم، وقد اندثرت هذه اللغات مع اندثار حواضنها الحضارية والبشرية كالأكادية والفينيقية، إذ نستطيع أن نطلق عليها وصف اللغات الميتة لغيابها تماماً عن المشهد اللغوي المعاصر.
لغة الإنسان الأول
هناك رأى بأن سيدنا آدم تكلم اللغات كلها، قال تعالى: "وعلم آدم الأسماء كلها" البقرة، فالأسماء هنا تعني الأحرف كلها، و تشمل كل اللغات، ألهمه الله معرفتها و هو علماها لأبناءه الذين علموها لأبنائهم وانتشرت هذه اللغات، بينما في قول أخر أن العربية هي اللغة التي تكلم بها سيدنا آدم، و أن اللغة العربية هي أصل اللغات و منها اشتقت كل اللغات، و الدليل أن اللغة العربية حافظت على خصائصها اللغوية من إعراب واشتقاق و معاني و غيرها، و هذا ما لا يوجد في أي لغة ما زالت حية الآن و عذا دليل على أصليتها و قوتها، و مدى استمراريتها .
الرأى الدينى
كان اليهود قد أشاعوا عند الناس قبل الاكتشافات الأثرية أن لغتهم العبرانية هي اللغة الأم للناس، وأنها لغة آدم والقرون الأولى، وانتشر هذا الاعتقاد في أوروبا في القرون الوسطى.
فيما يرى الرأى الدينى في الإسلام، فإن أصل اللغة توقيفي من الله تعالى علمها لنبيه آدم عليه السلام عندما خلقه فقال تعالى: وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا {البقرة: 31} قال صاحب المراقي :واللغة الرب لها قد وضعا * وعزوه للاتفاق سمعا .
وأما تفرقها وتطورها فقد جاء بعد الطوفان عندما انتشرت ذرية نوح وتفرقت في البلاد، فيذكر أبن كثير في "البداية والنهاية" أن الانقسام بدأ من عصر أبناء نوح عليه السلام: فإن الله لم يجعل لأحد ممن كان معه من المؤمنين نسلا ولا عقبا سوى نوح عليه السلام، قال تعالى: وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ [الصافات:77]. فكل من على وجه الأرض اليوم من سائر أجناس بني آدم ينسبون إلى أولاد نوح الثلاثة وهم سام وحام ويافث. ثم ساق الحديث الذي رواه أحمد والترمذي: سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم. وإسناده ضعيف، ثم قال: عن سعيد بن المسيب أنه قال: ولد نوح ثلاثة: سام ويافث وحام، وولد كل واحد من هذه الثلاثة ثلاثة، فولد سام العرب وفارس والروم، وولد يافث الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج، وولد حام القبط والسودان والبربر.
الرأى العلمى
العلماء والباحثون يميلون إلى رأيين مختلفين في مسألة نشأة اللغة فمنهم من يقول بأنَّ اللغة خُلقت مع الإنسان، ومنهم من يقول بأنها تطوّرت ببطءٍ خلال مراحل النمو المختلفة للبشر، ووفقاً للغويين الأشهر في العالم دويتشر وماكوورتير يبقى أصل ظهور اللغة غامضاً منذ آلاف السنين وحتى وقتنا الحالي.
يفترض بعض العلماء ان اللغات العصرية تفرعت من لغة اصلية واحدة هي «اللغة الام» التي يظنون ان البشر نطقوا بها قبل حوالي ٠٠٠,١٠٠ سنة، ويدعي آخرون ان اللغات اليوم تعود جذورها الى لغات اصلية عديدة استُخدمت منذ ٠٠٠,٦ سنة على الأقل، وتذكر مجلة ذي إيكونوميست (بالانجليزية): «هنا تكمن المشكلة! فبخلاف علماء الاحياء، ليس لدى علماء اللغة احافير تروي لهم احداث الماضي». وتضيف هذه المجلة ان احد العلماء الباحثين في تطور اللغة يخلص الى استنتاجاته معتمدا على «تخمينات ترتكز على عمليات حسابية».
وبحسب الباحثة ابتهال العبسى، هناك نظرية تسمى بنظرية «البو-وو» تقول (إن اللغة نشأت من الصرخات غير المبينة للحيوانات)، وأكد ذلك مايكل كورباليس في كتابه «في نشأة اللغة» بقوله إن البشر منحدرون إلى فئة الطيور مثبتاً بذلك أن الطيور تسعى على ساقين كالبشر، والببغاء مثلا يفضل التقاط الأشياء بقدم واحدة، ولا نغفل عن الإيحاءات والأصوات التي تصدرها الطيور، أصبح يقلدها الانسان عندما وجد على الأرض كالبكاء والصراخ لرغبة الأشياء إلى أن خرجت لغة تفرد بها البشر بعيدا عن الطيور.