على بعد أمتار من منزل عائلتى، في مدينة منيا القمح بمحافظة الشرقية، يقف تمثاله شامخا حاملا سلاحه، يتوسط ميدانا رئيسيا، يحمل اسمه، يبدو صامتا، ولكنه في صمته تنطق ملامحه بقصة أسطورية عنوانها الإخلاص والشجاعة النادرة، نستعيد بها قصص الخوارق التاريخيين، الذى ربما امتلأت أسماعنا بقصصهم دون أن تراهم أعيننا، تقديرا لبطولته النادرة، التي ستتحاكى عنها الأجيال، يوما بعد يوم، ليكمل بدوره سلسلة من البطولات التي صاغها أسلافه ممن ذخرت بهم مدينتنا الصغيرة، ليكونوا شهودا على العديد من الملاحم الوطنية على مدار الأجيال وفى مختلف الجبهات.
إنه البطل أحمد المنسى، الذى أستشهد في عام 2017، ليكون واحدا من الجنود المصريين الذين دفعوا دمائهم في الحرب التي تخوضها مصر ضد "طيور الظلام" منذ سنوات الفوضى التي دشنها ما يسمى بـ"الربيع العربى"، والتي وضعت العديد من البلدان المجاورة في قلب الهاوية لسنوات طويلة، نتيجة غياب الأمن وانكسار القوى الأمنية في مواجهة ميليشيات الإرهاب الأسود، فكانت حياة بطلنا المصرى، إلى جانب كونها درسا في الانتماء والوطنية المخلصة، فإنها كانت أيضا ثمنا قدمه بنفسه بقناعة تامة، حتى يتحقق النصر، ويعود الاستقرار إلى البلاد، فصار المنسى "الذى لا يمكن نسيانه"، مصدرا للفخر لكل المنتسبين له، فهو الأسطورة الذى آثر أن يموت فداءً لزملائه بالكتيبة في سيناء، بل فداءً لأمة بأكملها.
قصة المنسى، والتي يرصدها مسلسل "الاختيار" والذى تعرضه الشاشات خلال شهر رمضان المعظم، تمثل حلقة جديدة من بطولات سطرها أبطال الجيش المصرى، من مختلف مدن وأقاليم المحروسة، بينما كانت أرض سيناء الطاهرة، والتي نحتفل بذكرى تحريرها تزامنا مع انطلاق عملية تعميرها، بمثابة العامل المشترك الأبرز، حيث كان ارتوت أرضها بدماء عدد كبير من أساطيرنا الذين ستبقى أسمائهم خالدة، ليس فقط في كتب التاريخ، وإنما أيضا في عقولنا وقلوبنا ما حيينا.
فلو تحدثنا عن المنسى، نجد أنه خاض معركته لتحرير سيناء من ميليشيات الإرهاب الأسود الطامحة في السلطة على جثث المصريين، ليصبح بطلا شعبيا وقدوة لملايين الشباب المصرى، الذى يبدو شغوفا لمعرفة أدق التفاصيل عن حياة "الأسطورة"، والذى يعد امتدادا لأبطال أخرين، من أبناء مدينتي الصغيرة، على غرار الرقيب أول محمد عبد العاطى، والمعروف بلقب "صائد الدبابات"، خلال معركة تحرير سيناء، في حرب الكرامة، في أكتوبر 1973، حيث نجح بمفرده في تدمير أكثر من 23 دبابة إسرائيل، ليتم تكريمه من قبل الرئيس الراحل أنور السادات بمنحه "نجمة سيناء".
انتماء المنسى إلى مدينتي التي نشأت وترعرعت بها في طفولتى وشبابى، يشعرنى بالفخر والاعتزاز، فقد أحيا بداخلى مشاعر متداخلة، يختلط فيها الشغف بالكبرياء، بل وأعاد إلى الذاكرة أبطالا أخرين، ليس فقط في ميادين المعارك العسكرية، وإنما في ميادين السياسة والقانون والدبلوماسية وغيرها، ربما أثروا الحياة فيها، حيث كان يتحاكى الأباء والأجداد، عن دورهم في خدمة وطنهم الكبير، ليصبح المنسى أحد درر التاج في بلدتنا، الذين لن ينساهم التاريخ.
أعتقد أن مسلسل "الاختيار" يمثل فرصة مهمة لتوثيق حياة بطل مغوار من أبطال مصر، في الوقت الذى نحتاج فيه إلى المزيد من الدراما الهادفة، التي تلتف حولها الأسر، لتأكيد حقيقة مفادها أن أساطير مصر لا تنتهى، بل وممتدة عبر الزمان، في الوقت الذى يحاول فيه تجار الدم والنار تقويض ثقة المصريين في أنفسهم، وفى قدرتهم على تغيير واقعهم إلى غد أفضل في جميع المجالات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة