تحضرنى العبارة الخالدة للفنان الراحل محمد رضا فى أحد أفلامه "نفتح الشباك ولا نقفله"، وأراها تعبر بدقة عن حالة الجدل والمناقشات والحوارات التى تسيطر على القنوات الفضائية المختلفة وساحات مواقع التواصل الاجتماعى والتى تدور حول جدوى الالتزام بحملة "خليك فى البيت"، وهل من الأفضل أن نستمر فى المكوث فى المنازل، أم أن الوقت قد حان لفتح الشبابيك والعودة للعمل، وبدء إعادة الحياة لمجاريها كما كانت قبل جائحة كورونا، خاصة أن غالبية دول العالم بدأت بالفعل أولى خطوات العودة إلى الحياة الطبيعية، حتى ولو تدريجيا.
الأرقام والإحصائيات الصادرة من وزارة الصحة المصرية والتى تصدر تحت نظر وعين منظمة الصحة العالمية، تؤكد أن الإجراءات الاحترازية التى تبنتها الحكومة المصرية ومنها حملة (خليك فى الببت)، أدت الغرض الذى انطلقت من أجله، وهو كبح جماح جائحة كورونا الغاشمة، حيث نجحت الحملة فى أن تصل بمصر إلى بر الأمان فى معركتها مع فيروس كورونا، ودخلنا إلى الأسبوع 11 والحمد لله مازال معدل الإصابات يأخذ المنحنى الأفقى، واستطاعت المحافظة على تسطيح المنحنى، وعدم وصوله إلى الوضع الرأسى الذى يعنى قفزات عبارة عن متوالية هندسية مرعبة، كما حدثت فى كثير من دول العالم الكبرى والعظمى.
إذا بعد أن أدت حملة "خليك فى البيت" هدفها، علينا أن ننظر إلى الخطوة التالية فى حربنا ضد فيروس كورونا، فلا يمكن أن تتوقف ماكينات الإنتاج، وتستمر المصانع والورش فى حالة إغلاق ، لأن هذا سيؤدى إلى تصلب شرايين الاقتصاد وبالتالى توقف الحياة، والدخول فى كساد اقتصادى، سيضرب المكتسبات والطفرات الاقتصادية والإنشائية التى حققناها خلال بضع السنوات الماضية فى مقتل، وسيعيدنا إلى الوراء خطوات كبيرة لا نتمناها أو نريدها، وبالتالى يجب علينا أن نحذو حذو دول كثيرة فى العالم، بدأت بالفعل خطوات كبيرة نحو إعادة الحياة لطبيعتها قبل جائحة كورونا، رغم أن بعض هذه البلدان الكبرى مازالت تعانى من إصابات يومى يتخطى عدة آلاف ووفيات عدة مئات، ولكنهم أعلنوا سيطرتهم على الوباء عن طريق وصولهم إلى معدل انتشار عدوى مطمئن" وهو المعدل الذى يقيس متوسط عدد الإصابات الجديدة التى يسببها كل شخص مصاب"، ونحن فى مصر نحمد الله أننا مازلنا فى الوضع الآمن جدا، وعلينا العمل بكل قوة لكى نظل فى هذا الوضع الآمن وأن نحافظ على تسطيح منحنى الإصابة حتى نصل إلى رقم صفر إصابة.
ولذلك علينا أن نجمع بين الحسنيين، نذهب للعمل وأيضا نلتزم بحملة "خليك فى البيت"، أى نعيد فتح مصانعنا وشركاتنا ومشروعاتنا، ونذهب إلى أعمالنا حتى نعيد ضخ الحياة فى شرايين الاقتصاد، ويستعيد كل منا عمله ومصدر رزقه، وأن نتيقن من وجود كافة الإجراءات الاحترازية فى بيئةالعمل، وعندما تنتهى ساعات العمل، نعيد التزامنا بحملة" خليك فى البيت" حيث نعود مباشرة إلى منازلنا، مع الالتزام بكافة الإجراءات الاحترازية وطرق التطهير قبل دخولنا إلى بيوتنا، ونطبق ما كنا نقوم به وما تعلمناه من حملة" خليك بالبيت"، فلاداعى فى هذه الفترة للقاءات المجمعة، أو الخروجات أو الفسح أو التواجد بأى تجمعات، فالتباعد الاجتماعى والإجراءات الاحترازية هى السلاح الأول والأهم للتغلب على جائحة كورونا.
عودة العمل، ودوران عجلة الانتاج وإعادة الحياة لمفاصل الاقتصاد أصبح أمرا لا مفر منه، ولا يتنافى أبدا مع شحذ الهمم وتسخير كافة الجهود فى الحرب ضد وباء كورونا، فحسب كافة المعلومات والحقائق فليس من المنتظر أن يتم إيجاد علاج للفيروس فى القريب العاجل، وبالتالى فأن استمرار الإغلاق وتوقف الحياة الاقتصادية سيؤدى إلى كارثة عالمية، أكبر بكثير من جائحة كورونا، وبالتالى لن تستطيع أعتى الدول الاقتصادية أن تتحمل توقف عجلة الانتاج ـوتوقف المصانع والشركات لديها ، لأن هذا يعنى سقوط الأسواق، وانهيار العملات، ودخول اقتصاديات دول عظمى إلى النفق المظلم ، مما يترتب عليه سيناريوهات مفزعة، منها انفجار فوضى عارمة وموجات نهب وسلب، لأن معنى سقوط أى دولة اقتصاديا، عدم وجود ما يكفى شعبها من المأكل والمشرب، وبالتالى قررت الكثير من الدول عودة الحياة الطبيعية تدريجيا، مع الأخذ فى الاعتبار تطبيق كافة المحاذير واتخاذ جميع الاحتياطات لمنع انتشار فيروس كورونا.
وأعتقد أن المصريين أدركوا بالفعل أن موضوع الفيروس لا يجدى معه الفهلوة والتساهل واللامبالاة، لأن هذا قد يؤدى إلى كارثة وإلى ما لا يحمد عقباه، وترسخت لدى الأسر المصرية أبجديات الحفاظ على أنفسهم لتجنب العدوى ، ومنها التباعد الاجتماعى، التعود على استخدام المطهرات، والتدقيق فى النظافة الشخصية، الابتعاد بقدر الامكان عن التجمعات واللقاءات، وهى كلها أمور تصب فى صالح الحرب ضد الفيروس الغاشم، خاصة أن من رحمة الله سبحانه وتعالى أن أهم سلاح للتغلب على هذا الفيروس الفتاك، هو تطبيق الإجراءات الاحترازية والتى من أهمها استخدام المطهرات فى أماكن العمل والمنازل، والنظافة الشخصية بالماء والصابون وكلها أمور غير مكلفة وفى متناول أيدى الجميع.