لا أظن أن أحد ممن تجاوز العقد السادس من عمره ، يمكنه نسيان نظرة الإعلام الغربي الدونية لنا وهوسه الأسطوري الذي وصل إلى حد التلذذ والسخرية في آن ، وهو ينقل قبل عقود خلت، عبر بعضا من أفلامه تسجيلية كانت أم روائية ، مشاهد الأزدحام المفرط في حقب العوز والضنك بكل ربوع المحروسة التي كانت تستعد للثأر في ذلك الوقت العصيب.
وبالطبع لابد من بهارات المبالغات وهي ترسم عنوة صور البؤس على وجوه البسطاء من مواطنينا وهم محشورين حشرا في منحنيات عشوائية أمام محال بيع المنتجات الاستهلاكية انتظارا فتح أبوابها، لعلهم يفوزون بدجاجة مجمدة، ورغم إنحصارها إلا أن الأسهاب الفلكلوري الممجوج حولها واصل رصده التفصيلي للتكالب على المخابز وسط عويل نسوة ودللالات تحركهم مافيا الجشع ولم يكن عصيا تفسير الأمر سوى أن يخرج من يراها في بلاد الفرنجة ، وقد تكرس لديه أنطباع وهو " أننا همج جياع لا علاقة لنا بأي شكل من اشكال التحضر والتمدين".
والحق لست من دعاة المؤامرة ولا تمتلكني فوبيا الإساءة لسمعتنا، لسبب بسيط هو أن أعمالنا الدارمية لم تخجل من فقرنا بإظهاره في عشرات المسلسلات والنصوص السينمائية ، ولكن ما أود قوله فقط في تلك السطور ــ وهذا من حسن الحظ أن الارض كروية ــ الدنيا دوارة ، وها هي توصيفاتهم المخجلة لسلوكياتنا ترتد اليهم على خلفية تفشي جائحة الكورونا ، إذ يشاء السميع العليم أن يحيينا كي نشهد نحن ذات المشاهد ببلدان كبري بالقارة العجوز وكذا على الضفة الأخرى من الاطلسي حيث تربض القوة الاكبر في هذا الكون ، وهي تطيح بنفس القيم التي ما فتأوا يصدعوننا بها ليل نهارا.
عندما يجتمع الجوع والموت فلا مكان لفذلكات الفلسفة ، أو لعبارات التهذيب مثل : كل واحد ومراعاة للنظام أن يلتزم بدوره ولا يتخط غيره إلى أخره من الأرشادات التي لا محل لها من الأعراب والمعدة خاوية ، ومن ثم " فساعة البطون تتهوه العقول و" يحييني اليوم وموتني غدا " البشر هم البشر كانوا شمالا أم جنوبا، هذا ما قد يحث بالقاهرة الخديوية وأيضا بحي البيجال الفرنسي بعاصمة النور باريس .
ولا بأس وأثناء زحف أحفاد " الأتيكيت " ، نحو الحوانيت لنهب المواد الغذائية وأدوات التنظيف ، أن يصاحب معارك البقاء للأقوي تلك ، أغام فرانسو فريدريك شوبان وإمعانا في أجواء الميلودراما سيكون مفيدا اختيار مقطوعة تعكس عذابه في عشق أورورا دوديفان عندما كان يعيش بالحي نفسه بالنصف الاول من القرن التاسع عشر.
ولعلي أتذكر" سيدني وبولاك " وتحفته " أنهم يقتلون الجياد أليس كذلك " والذي أخرجه العام 1969 ، فيها رأينا كيف يتم إذلال الناس بجعلهم يرقصون لساعات طويلة على أمل أن يظفروا ببضع دولارات خلال الكساد العظيم ، ولا أدري لماذا جنح بي الخيال بيد أنني تصورت مع وباء " الكوفيد المستجد " المخيف أن ورثتهم سيفعلون الأمر عينه الآن ، من أجل أقتناص بضع بكرات من أوراق المراحيض، ألم يحدث شجار كاد يزهق الأرواح ؟.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة