أصدرت الدائرة المدنية والتجارية بمحكمة النقض، حكما مهما حسمت فيه النزاع حول "حق الأبوة الذهنية" فى قضايا الملكية الفكرية، الذى سنه المشرع المصرى منذ 18 سنة وترسيخ المبدأ: "الحق فى نسبة المصنف إلى صاحبه".
صدر الحكم فى الطعن المقيد برقم 7224 لسنة 89 ق، برئاسة المستشار حسن البدراوى، وعضوية المستشارين سمير حسن، وعبدالله لملوم، وصلاح الدين كامل سعد الله، ومحمد عاطف ثابت، وبحضور رئيس النيابة محمد عارف، وأمانة سر خالد حسن حوا.
الوقائع
فى يوم 4 أبريل 2019، طعن بطريق النقض فى حكم محكمة استئناف القاهرة الاقتصادية الصادر بتاريخ 5 فبراير 2019 فى الدعوى رقم 233 لسنة 9 ق، وذلك بصحيفة طلب فيها الطاعن قبول الطعن شكلاَ، وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه، وفى اليوم نفسه أودع الطاعن مذكرة شارحة، وفى 24 أبريل 2019 أعلن المطعون ضده الأول بصحيفة الطعن، وفى 27 أبريل 2019 أودع وكيل المطعون ضده الأول مذكرة بدفاعه طلب فيها رفض الطعن، وفى 28 مايو أعلنت الشركة المطعون ضدها الثانية بصحيفة الطعن، ثم أودعت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأى بقبول الطعن شكلاَ، وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه، وبجلسة 26 ديسمبر عرض الطعن على المحكمة فى غرفة مشورة.
بعد الاطلاع على الأوراق، ورأى دائرة فحص الطعون الاقتصادية، وسماع التقرير الذى تلاه القاضى حيث أن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية، حيث أن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المطعون ضده الأول أقام على الطاعن والشركة المطعون ضدها الثانية الدعوى رقم 233 لسنة 9 ق أمام الدائرة الاستئنافية بمحكمة القاهرة الاقتصادية بطلب الحكم أولاَ: بإثبات حالة التعدى على حقوق الملكية الفكرية خاصته، ثانياَ: بإلزام الطاعن بالتعويض عن الأضرار الأدبية والمادية جراء الاستيلاء على مؤلفه، ثالثاَ: بإلزام الطاعن بأن يدفع له المبلغ الذى تحصل عليه من شركة الإنتاج المصنف محل التداعى لنفسه على خلاف الحقيقة، رابعاَ: تطبيق أقصى عقوبة على الطاعن لاعتدائه على الحق الأدبى له عملا بنص المادة 181 من قانون حماية الملكية الفكرية.
وقال بيانا لدعواه – إنه من بين أعماله الروائية قصة وسيناريو وحوار بعنوان "ألوان الدنيا" المثبت تاريخها والمسجلة بالشهر العقارى عام 2009، وأنه تعاقد مع دار نشر تدعى "..."، بقصد طباعتها ونشرها ووزعت الطبعة الأولى باسم "......." - أنه فى محاولة منه لتسويقها – قام بتسليمها لعدة شركات إنتاج ومن بينها الشركة المطعون ضدها الثانية، إلا أنه فوجئ فى شهر رمضان عام 2016 بعرض مصنفه كمسلسل بعنوان "........" منسوباَ للطاعن دون تصريح أو اتفاق مسبق، وبالمخالفة لأحكام قانون حماية الملكية الفكرية، فكانت دعواه، ندبت المحكمة خبيراَ فيها، وبعد أن أودع تقريره قضت المحكمة بتاريخ 5 فبراير 2019 بإلزام الطاعن بأن يؤدى للمطعون ضده الأول 3 مليون جنية تعويضاَ أدبياَ، طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأى بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على دائرة فحص الطعون الاقتصادية ارتأت تحديد جلسة لنظره وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
الطاعن نعى بالسبب الأول من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه، إذ أنه – على نحو ما أورى – لم يعلن بأصل صحيفة الدعوى بتاريخ 28 أغسطس 2017، فتقدم المطعون ضده الأول بجلسة 9 نوفمبر 2017 بإعادة إعلان له بأصل الصحيفة وبتصحيح شكل الدعوى، وإذ لم يحضر أو من يمثله بأى جلسة من الجلسات أمام محكمة الموضوع، فقد مضت المحكمة فى نظر الدعوى مصدرة حمها بجلسة 9 يناير 2018 بندب خبير فيها، ثم أصدرت حمها المطعون فيه، بما يكون معه الحكم الأخير قد صدر منعدماَ، إذ لا يعتبر إعادة إعلانه بأصل الصحيفة بمثابة إعلان له بها لخلو ورقة إعادة الإعلان من البيانات الواجب ذكرها، الأمر الذى يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
المحكمة فى حيثيات الحكم قالت إن هذا النعى مردود، إذ أنه من المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أن التحقق من حصول إعلان الخصوم بصحيفة الدعوى – كشرط جوهرى أوجبه القانون لانعقاد الخصومة فيها وإعادة الإعلان فى الحالات التى نص عليها أو نفى ذلك – من الأمور الواقعية التى تستقل بها محكمة الموضوع بلا معقب متى كانت تستند فى ذلك إلى أسباب سائغة - لما كان ذلك – وكان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده الأول أعلن الطاعن بأصل صحيفة الدعوى فى 7 نوفمبر 2017 إعلاناَ صحيحاَ قانونياَ، كما أعلنه بصحيفه تصحيح شكل الدعوى إعلاناَ قانونياَ صحيحاَ بذات التاريخ، ومن ثم فلا محل للتعدى بعدم إعادة إعلانه بالدعوى، إذ أن الغاية من الإعلان بأصل الصحيفة وإعادة الإعلان قد تحققت، سيما بعد إعلانه بصحيفة التصحيح.
أما السبب الثانى والثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والفساد فى الاستدلال والقصور فى التسبيب، إذ قضى الحكم بإلزامه بالتعويض لاعتدائه على الحق الأدبى للمطعون ضده الأول باعتبار صاحب مصنف "ألوان الدنيا" استناداَ إلى ما ورد بتقرير الخبير المنتدب فى الدعوى من تشابه الفكرة العامة لهذا المصنف مع مصنفه، حال أن الأفكار المجردة مثل فكرة صراع الحضارات لا تحمى، بل تحمى الأفكار المعبر عنها، سيما وأن المعالجة الفنية والحبكة الدرامية والسمات الشخصية مختلفة فى المصنفين.
وردت المحكمة فى حيثيات الحكم على هذا النعى بقولها إن التعدى على المصنفات بطريق التقليد "المحاكاة" هو انتهاك لحقوق مؤلفيها لا سيما الحق الأدبى متمثلاَ فى أهم مكناته وهى حق المؤلف فى نسبة مصنفه إليه أو ما يسمى "حق الأبوة الذهنية"، وكما يمكن أن يقع هذا التعدى بطريق التقليد الكامل للمصنف الذى قد يصل إلى حد نزع غلاف مصنف مكتوب ووضع اسم المعتدى كمؤلف على غلاف جديد، يمكن أيضاَ أن يقع بصور أخرى من بينها تحويل المصنف من لون أدبى إلى لون أدبى أخر بغير إذن من مؤلفه، كتحويل دفتى كتاب "مصنف مكتوب" إلى مصنف سمعى أو سمعى بصرى مع المغايرة فى بعض الأحداث وتسلسلها والأماكن التى تقع فيها وتكوين الشخصيات الرئيسية والعلاقات بينها وأدوارها والهدف العام – بحسبانها قوام المصنف المقلد – على حالها، أو إدخال بعض التعديلات عليها بما لا يخل بجوهرها الذى شيدها عليه مبتكرها "مؤلف المصنف محل التعدى" ولا يعزب عن ناظر أن الفكرة التى يعالجها المصنف المكتوب – محل التعدى – بتحويلها من فكرة مجردة يمكن أن تتوارد الخواطر بشأنها – إلى فكرة مجسدة معبر عنها فى صورة مصنف جدير بالحماية لانطوائه على حبكة درامية مبتكرة.