بدأ الاجتماع فى مبنى جامعة الدول العربية القديم بشارع البستانى بالقاهرة، مساء 3 إبريل، مثل هذا اليوم، 1954، لمناقشة قيادات أحزاب دول الشمال الأفريقى اللاجئين بمصر فى تقديم الدعم لمقاومة الاحتلال الفرنسى، وذلك ضمن خطة ثورة 23 يوليو 1952 لمساعدة حركات التحرر العربية من أجل استقلال بلدانها، حسبما يذكر فتحى الديب فى كتابه «عبد الناصر وثورة الجزائر»..كان الديب هو من وضع هذه الخطة ورفعها إلى زكريا محيى الدين أول رئيس للمخابرات المصرية، وكلفه جمال عبد الناصر بمسؤوليتها، وأسند إليه رئاسة الشؤون العربية فى رئاسة الجمهورية، حسبما يكشف «الديب»فى كتابه «عبد الناصر وتحرير المشرق العربى»، الصادر عن «مؤسسة الأهرام»
كان للإعلامى الكبير أحمد سعيد دورا محوريا فى هذا المجال، فرغم أنه كان المذيع الأشهر فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى من خلال رئاسته لإذاعة صوت العرب «1953 -1967»، إلا أن دوره السرى كان بالغ الأهمية، ويعد أحد المحاور المهمة فى خطة «الديب»، حسبما تكشف مذكراته غير المنشورة، وتحتوى على الكثير من الأسرار المهمة عن دوره المجهول فى دعم حركات التحرر العربية، وبحوزتى صورة منها حيث كنت أقوم بمراجعتها معه.
تحتوى هذه المذكرات على قصة اجتماع «3 إبريل 1954»، ويصفه سعيد قائلا: «كان نقطة تحول أنقذت أرواح كثيرين من أبناء تونس والمغرب، وبدأ خطة الانتشار السريع لثورة الجزائر فى أول نوفمبر 1954».. يتتبع «سعيد» الطريق إلى هذا الاجتماع، الذى بدأ من أول يوم تعرف فيه مع الزعيم الجزائرى «أحمد بن بيلا» قائد الثورة الجزائرية وأول رئيس للجزائر بعد الاستقلال عام 1962.
يكشف، أنه فى يوم 27 سبتمبر 1953 جاء من يخبره بوجود شاب على باب مكتبه فى «صوت العرب»يريد أن يلتقى به، وفوجئ بشاب يقدم نفسه باسم «مزيانى مسعود» من الجزائر.. يتذكر فى الفصل الخاص من مذكراته بعنوان «الجزائر بلد المليون شهيد، ومخاض ثورة فى مكاتب صوت العرب»، أنه اجتمع مع الشاب القادم هاربا من فرنسا إلى مصرعبر البحر، وتناول معه العشاء فى مطعم «كازينور» المطل على النيل، واستمر معه حتى منتصف الليل يتبادلان الحوار حول الجزائر، ثم اصطحبه إلى بنسيون فى شارع عدلى وقام بتسكينه.
فى اليوم التالى قدم «سعيد» تقريرا إلى «الديب» يحمل انطباعاته الشخصية عن هذا الوافد، وفيه «إن مزيانى مسعود ليس مجرد لاجئ جاء إلى القاهرة متلمسا الأمانى من ملاحقة بوليسية استعمارية».. يضيف سعيد: «أبدى رجل المخابرات فتحى الديب اهتماما كبيرا لتقريرى، وحيانى على إسكان مزيانى فى البنسيون، وطلب استمرار الاجتماع به، وسؤال محمد خضير ممثل حزب الشعب الجزائرى، ومسؤول الجزائر فى مكتب المغرب العربى بالقاهرة».
يوضح سعيد «قصة إنشاء» مكتب المغرب العربى، قائلا: «كان فى مصر قبل ثورة 23 يوليو وبعدها حتى بدء إرسال صوت العرب «4 يوليو 1953»، مكتبا فى شارع عبدالخالق ثروت، يحمل اسم «مكتب المغرب العربى، أقرت بإنشائه جامعة الدول العربية وحكومة الوفد الأخيرة «1950 -1952»، ويضم القيادات اللاجئة من البلاد العربية التى تحتلها فرنسا فى شمال أفريقيا «تونس والجزائر والمغرب».. يضيف: «كنت منذ بدء الإعداد لبث صوت العرب أعقد معهم صلات، وحصلت منهم على معلومات، وتوطدت بيننا علاقات وصداقات».
استمرت لقاءات «سعيد» و«مزيانى»، وخلالها عرف «سعيد» تدريجيا قصة هذا الشاب الذى كان جنديا فى جيش الاستعمار الفرنسى أثناء الحرب العالمية الثانية، وأنه كان فى فرقة سبقت جميع فرق الحلفاء فى الاستيلاء على روما عاصمة إيطاليا حتى أنه منح وساما فرنسيا رفيعا علقه على صدره بنفسه زعيم «فرنسا الحرة» وأول رئيس لفرنسا بعد الحرب الجنرال شارل ديجول، وكشف «مسعود» طبيعة وجود الجزائريين فى هذا الجيش.
سأل «سعيد»، مزيانى مسعود عن احتمالات موقف المجندين الجزائريين إذا ماقامت ثورة شعبية فى بلادهم ضد الاستعمار الفرنسى، وهل يوجد تنظيمات عسكرية سابقة ومعاصرة قادرة على البدء فى حركة ثورية فى الجزائر، يتذكر سعيد: «اندفع الشاب الباسق الطول إلى حديث ثائر مفاجئ تخلى فيه عن كثير من الحذر الذى عرفته عنه، خاصة وهو يروى قصة محاولة شباب جزائرى إيجاد مصر تمويل لشراء أسلحة بعملية ناجحة والمعروفة بعملية «بريد وهران» وكانت فى 4 إبريل 1949، واعترف بأنه كان قائدها».
كان «سعيد» يرفع تقاريره عن هذه اللقاءات إلى «الديب»، وتحتوى على تفاصيل مهمة وفقا لما جاءت فى المذكرات، وأسفرت فى نهايتها على الدعوة لعقد اجتماع تحت مظلة جامعة الدول العربية، خاص بقيادات مكتب المغرب العربى، وكان «مزيانى مسعود» الذى لم يكشف عن اسمه الحقيقى مفاجأة الحضور، فماذا حدث فى هذا الاجتماع؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة