اليوم وبعد أسابيع من بداية ظهور فيروس كورونا «كوفيد 19» هناك تحولات كبرى فى شكل وتفاعل دول العالم مع الفيروس، لم يكن أكثر الناس تشاؤما يتصور أن تصل تأثيرات الفيروس أثناء زحفه إلى هذه الحالة التى تربك الحكومات وتهدد الاقتصاد العالمى والاقتصاديات المحلية فضلا عن ظهور نظريات طبية وعلمية حديثة وإحياء نظريات قديمة، وأفكار متعددة فيما يتعلق بالكشف عن الفيروس ومواجهته، وأخطاره وكيفية انتقاله بين البشر بهذه السرعة.
ومن يتابع آراء الرؤساء ورؤساء الحكومات فى أوربا وأمريكا قبل خمسة أسابيع، سوف يفاجأ بحجم التغير فى الخطاب، فقد بدت الخطابات الأولى للرئيس الأمريكى دونالد ترامب ورئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون مختلفة كلية عنها بعد أسبوعين ثم الآن، كانت تنطلق من اطمئنان وعدم تقدير لحجم الخطر الذى أصبح عليه العالم اليوم.
وإذا كان هذا حال القادة ممن يمتلكون معلومات وتقارير من أجهزة معلومات وأجهزة طبية وعلمية من الصعب أن نلوم المواطنين الذين تعاملوا فى البداية باستهانة مع الفيروس مما أدى لانتشاره مثلما جرى فى إيطاليا وإسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة.
نقول هذا بمناسبة ما يطرحه البعض عندنا ويحمل بعض التصورات حول الفيروس وكيفية التعامل معه رسميا وشعبيا، حيث تنطلق بعض آراء النشطاء والمدعين من تصورات جاهزة وكيد سياسى متكلس.
حتى الآن ما يزال الخطر متوسطا، بعد اتخاذ إجراءات رسمية على مستوى التجهيزات الطبية وأيضا فيما يتعلق بقرارات حظر التحرك والإغلاق الجزئى وتقليل أعداد الموظفين فى بعض المصالح والشركات بعد وقف المدارس والجامعات. هذه الإجراءات خففت من تداعيات الفيروس، وإن كان تعامل بعض العائدين من الخارج باستهانة وعدم الإنصات لنصائح العزل الذاتى منعا لنقل العدوى، هو ما أدى لتزايد نسبى فى أعداد الإصابات وتكوين بؤر كان يمكن تلافيها. ونفس الأمر فيما يتعلق بغياب وعى البعض تجاه خطر الانتشار ورفض الالتزام بالعزل الذاتى.
والمفارقة أن هناك من يلوم بعض المواطنين لعدم الالتزام بالعزل الذاتى والنزول للعمل بينما كان هناك مواطنون قادمون من الخارج يفترض أنهم شاهدوا الانتشار فى بلاد إقامتهم أو يفترض أنهم يعيشون فى مجتمعات متقدمة ومع ذلك كان من بين العائدين من يفتقد للوعى الكافى من حيث الحرص على عدم نقل الفيروس لأقاربهم ومخالطيهم وتسببوا فى نشر العدوى بشكل كبير الأمر الذى دفع الحكومة لفرض عزل بالفنادق على القادمين من الخارج ممن عادوا من أوربا والولايات المتحدة.
ومثل هذه التصرفات من بعض مواطنينا، تكشف لنا ببساطة عن كون الوعى لا يرتبط بالضرورة بالعيش فى مجتمعات أوربا ولكنه يرتبط أيضا بمدى ما يحمله الشخص من استيعاب حقيقى للوعى والتطور والحس الإنسانى، وبعض ممن يعيشون فى الخارج أظهروا شعورا بالتعالى غير المبرر تجاه مجتمعاتهم، مقابل شعور بالدونية والانسحاق فى المجتمعات التى يعيشون فيها، وهو ما يفسر التطرف والتخلف والعنصرية لدى بعض وليس كل هؤلاء وعلى العكس فإن بعض الفئات التى تبدو بسيطة فى المجتمع تحمل وعيا يتجاوز ما يحمله عبيد الأجنبى.
نفس الأمر فيما يتعلق بآراء بعض العمقاء التحليلية تجاه زيارة وزيرة الصحة للصين وإيطاليا، وهى آراء معلبة تنم عن سطحية وجهل، وشعور بالدونية، حيث يعارض هؤلاء أن تساند مصر الصين أو إيطاليا وترسل مساعدات لدولة ما فى كارثة، فى وقت تتصارع فيه الدول الكبرى لانتزاع معدات طبية من عرض البحر أو الاستيلاء على مواد طبية لدول أخرى، بصورة بدت صادمة من قبل دول كبرى، وعندما تتصرف مصر بإنسانية وتسعى لمعاونة دول تواجه كارثة، نجد آراء وانتقادات معلبة ومضحكة. لا تختلف عن من ينشرون تقارير مجهولة ساذجة عن علاج الفيروس أو غيره.
وفى كل الأحوال فإن الوعى لا يرتبط بمكان المعيشة أو درجة الثراء ولكن بامتلاك درجة ما من إدراك الواقع تجاه خطر يهدد العالم ويفترض أن يغير القوالب الجامدة فى كل الاتجاهات.