عادل السنهورى

أبلة فضيلة.. طفلة عمرها 92 عاما..!

الثلاثاء، 07 أبريل 2020 01:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

قبل الآن بحوالى 25 عاما كنت مدعوا لحضور المؤتمر الصحفى للدورة الأولى لمهرجان القاهرة الأول لسينما الطفل بدعوة كريمة من الأستاذ الكبير الراحل سعد الدين وهبة رئيس مهرجان القاهرة السينمائي ورئيس اتحاد الفنانين العرب فى ذلك الوقت. فى المقعد المجاور لى مباشرة لم أخطئ صوتها أبدا.. ومن يخطئ هذا الصوت الذى تربى عليه خيال ووجدان أجيال كثيرة من أطفال مصر عبر عشرات السنوات.

رحت أتأملها على استحياء.. تساءلت فى سعادة غامرة.. معقولة هل هى فعلا أبلة فضيلة؟.. قبل أن أواصل دهشتى وفرحتى المفرطة بسماع الصوت التفتت إلى فجأة وبصوتها المميز والمتفرد والضحوك والحنون قالت لى"أيوه.. أيوه يا ولد أنا اللى فى بالك.. ياترى شكلى حلو ولا هاتغير رأيك فيا".. لم أتمالك من فرط جمال اللحظة وجمال صاحبة الصوت ووجدتني أطبع قبلة فوق جبينها.. فملأ رنين صوتها قاعة المؤتمر ونظر إلي الأستاذ سعد فأشرت إليه بصوت عالى " دي أبلة فضيلة يا أستاذ" فضحك بدوره وأدرك سر الضحك بيننا.

عقب المؤتمر الصحفى قلت لها "الآن اكتمل وجه القمر وصوته".. تلك الطفلة الكبيرة التى أسرت خيال ووجدان ووعى ملايين الأطفال عبر أثير الإذاعة المصرية بمئات الحواديت والمعانى الجميلة والأخلاق الرفيعة والقيم الراقية. وتحولت إلى أيقونة الطفولة حتى وهى تمضى بهدوء وسكينة وسلام طفولى هذا الأسبوع إلى عامها الـ92 أطال الله فى عمرها..

أذكر خلال عملى بمكتب صحيفة الأنباء الكويتية بالقاهرة حوارا أجرته إحدى الزميلات معها، فذهبت إلى مدير المكتب الراحل الأستاذ جميل الباجورى ونائبه الصديق المرحوم مصطفى بدر وتوسلت إليهما أن أقوم بعمل الديسك أو إعادة الكتابة للحوار بسبب حبى الشديدة لأبلة فضيلة.. وأظن أننى كتبت عنوانا مبهجا "أبلة فضيلة.. طفلة بدرجة وكيل وزارة".. وكان قد تم ترقيتها إلى هذا المنصب قبل الحوار مباشرة. وحكيت لها قصة العنوان ففرحت به كثيرا.

من ينسى "غنوة وحدوتة" وأغنيته الشهيرة "يا ولاد يا ولاد تعالو تعالو عشان نسمع أبلة فضيلة راح تحكى لنا حكاية جميلة وتملينا كمان أسامينا" طوال فترة طفولته المبكرة وقبل انتشار التليفزيون والفضائيات المحشوة ببرامج الأطفال الساذجة البلهاء.

بالمناسبة من كتب أغنية البرنامج هو العبقرى المبدع صلاح جاهين ولحنها الموسيقار الراحل سيد مكاوى.

ولدت أبلة فضيلة فى 4 أبريل عام 1929 بالقاهرة فى شارع الملكة نازلة وقتها (رمسيس حاليا) لأسرة مكونة من ثلاث بنات وولد ومن بين البنات الفنانة الراحلة محسنة توفيق لأم تركية وأب مصري.

تعلمت في مدرسة الأميرة فريال وكانت في نفس المدرسة ناريمان التي تزوجها الملك فاروق فيما بعد وأيضا كانت فاتن حمامة زميلتها وكان والدها سكرتير المدرسة . - التحقت بكلية الحقوق تحقيقا لرغبة الأسرة، وكان من بين دفعتها الدكتور أسامة الباز والدكتور عاطف صدقي والدكتور فتحي سرور.

عقب تخرجها عام 1951 من كلية حقوق عملت فى مكتب محاماة حامد باشا زكى وزير المواصلات وقتها، لكن لم تستمر سوى أيام قليلة جدا فى عمل المحاماة، فقد طردها حامد باشا ونصحها بالعمل فى الإذاعة التى كانت تتبع فى ذلك الوقت وزارة المواصلات والاتصالات السلكية واللاسلكية.. وسبب طردها أنها كانت تقوم بعملية الصلح بين أصحاب القضايا قبل بلوغها للمحاكم ..!

 فى الإذاعة أرادت العمل كمذيعة أطفال، وكان وقتها الإذاعى المعروف ورئيس الإذاعة الأسبق بابا شارو- محمد محمود شعبان- هو أشهر مذيع للأطفال فى ذلك الوقت عام 1953 فرفض طلبها، فعملت كمذيعة نشرات حتى جاءت فرصتها لتصبح مذيعة الأطفال الوحيدة فى الإذاعة عام 59 عندما انتقل بابا شارو للعمل فى التليفزيون الذى كان على وشك الانطلاق. فكان برنامج "غنوة وحدوتة". والطريف أنها رفضت تسميتها بـ"ماما فضيلة" على غرار " بابا شارو" وفضلت عليه "أبلة فضيلة" وقالت: (مابحبش لقب ماما عشان محدش بياخد مكان مامة حد، الأم هي اللي ولدت وتعبت وربت، محدش ياخد منها اللقب، إنما أنا عاوزة أكون أخت الأطفال الكبيرة)..

أول مرتب حصلت عليه 12 جنيها، وكان كبيرا بالنسبة لها لدرجة أنها كانت توزع نصفه على  الفقراء بالإضافة إلى أنها تزوجت  المهندس إبراهيم أبو سريع كبير مهندسي الإذاعة.

بعد ما اشتهرت وأصبح صوتها معروفا وقبل شرائها لسيارة خاصة، كان سائقو التاكسى بعد معرفة صوتها يرفضون الحصول على أجرة منها، فكانت تصر وتقول لهم "خدوا الأجرة وهاتوا بيها حاجة حلوة لأولادكم."

فى برنامج" غنوة وحدوتة" استضافت كبار الشخصيات والمشاهير فى كافة المجالات منهم  نجيب محفوظ وأنيس منصور والدكتور فاروق الباز ومحمد عبد الوهاب وكامل الشناوى وسيد مكاوى وعبد الحليم حافظ والدكتور يحيى الرخاوى والسيدة سوزان مبارك قرينة الرئيس الراحل حسنى مبارك. وغيرهم الكثير والكثير من الرموز الفنية والسياسية بما فيهم الوزراء والسبب قيمة ما كانت تقدمه للأطفال التى ساهمت بشكل حقيقى فى تربية وعيهم الوطنى والأخلاقى والاجتماعي.

ظلت تسجل حلقات برنامجها "غنوة وحدوتة" حتى الشهور الأولى من 2007، وفى نهاية 2014 سافرت لكندا للإقامة مع أبنتها الوحيدة "ريم" حيث تعيش حاليا مع أحفادها.

حصلت على وسام الاستحقاق من رئيس الجمهورية.. لكن الوسام الأهم بالنسبة لها هو "وسام القلوب الصغيرة" التى حصلت عليه من ملايين الأطفال المصريين.

أبلة فضيلة..كل عام وأنتى بألف خير.. وحفظ الله مصر.

 

 

 

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة