هى أزمة لها تأثيراتها الضارة على الاقتصاد وحياة الناس، لكنها أيضا تفتح أبواب فرص وأعراض جانبية يمكن فى حال استغلالها أن تمثل حلولا وتفتح أبواب فرص عمل، فضلا عن خفض تكاليف الاستيراد، بل أن الأزمة ربما تفتح أمامنا آفاقا وتفجر طاقات وقدرات لم تكن ظاهرة فى الأوقات العادية. ربما لا تكون كل الأوضاع مثالية لكن هناك ضوء فى أزمة تظلم العالم.
خلال الأزمة ظهرت الحاجة إلى أدوات ووسائل تعقيم ووقاية، مثل الكمامات وملابس المرضى والأطباء والتمريض. وبعضها كان مستوردا، اكتشف العالم أن هناك نقصا شديدا فى كمامات الوقاية وملابس العزل للأطباء ومواد التطهير، وفى مجالات الطب نستورد المواد المعاونة من السرنجات والمطهرات وخيوط الجراحة. هذا بعيدا عن أجهزة تنفس أو أشعة.
وفى حالة استمرار العزل بين الدول وتوقف الطيران وحركة التجارة يمكن أن تعانى دول كثيرة من نقص الخامات والمنتجات ورأينا حركات قرصنة وخطف لصفقات من هذه المنتجات بين الدول الكبرى.
هنا تحت الضغط ظهرت ابتكارات وأفكار وحلول، فقد نجح فريق من عمال شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، إحدى قلاع صناعة الغزل والنسيج فى تصنيع ماكينات لتصنيع الكمامات طبقا لمعايير الجودة والمواصفات القياسية. الماكينة صنعها مهندسو وفنيو وعمال الشركة من المعدات والأدوات المتاحة بالشركة، ونجحت فى إنتاج كمامات بمعدل 40 كمامة فى الدقيقة الواحدة، 2400 كمامة فى الساعة، تقريبا 57 ألفا فى اليوم، وبمعدل 1.7 مليون فى السنة، ونحن نتحدث عن خط إنتاج واحد فى شركة واحدة، وفى حالة التوسع يمكن تغطية الاحتياجات المحلية والتصدير.
خطوة مهمة يمكن أن توفر ملايين الكمامات التى يتم استيرادها، ويبقى للتصدير. ونفس الأمر فيما يتعلق بملابس المرضى والأطباء، وهناك ابتكارات أخرى من أطباء بالتعاون مع مهندسين لإنتاج ملابس واقية للأطباء والتمريض ومن مواد يمكن تعقيمها ومطابقة للمواصفات العالمية.. هناك محاولات أخرى فى جامعة زويل وكليات الطب والهندسة لإنتاج أجهزة تنفس صناعى.
كل هذه الأفكار ومثلها تكشف عن وجود قاعدة للعمل فرضتها الظروف، يمكنها أن تساهم فى إنتاج الكثير من الأدوات والمواد المعاونة التى يمكن بتصنيعها أن توفر ملايين الدولارات، فضلا عن كونها توفر أدوات ووسائل مهمة وضرورية، فى وقت تتصارع فيها الدول الكبرى على صفقات الكمامات أو الأدوات الوقائية. وربما يمكننا أن نستغل الفرصة لنرى كيف يمكن مواجهة الاستيراد وأن الحاجة هى أم الاختراع وبفضل فيروس «كورونا» يمكن أن يغير الكثير من السلوكيات والأفكار.
وفى نفس الاتجاه أنتجت المصانع الحربية والهيئة العربية للتصنيع أجهزة تعقيم، ومنها كابينة للتعقيم يمكن أن تستخدمها المؤسسات والشركات، فى المداخل. الشركات المحلية نجحت فى إنتاج وتوفير مطهرات ومواد تعقيم للأفراد والمنازل والشركات. والمهم أن الإنتاج حسب المواصفات القياسية والعالمية وبجودة كبيرة، بما يجعلها قابلة للمنافسة والتصدير.
وربما تكون هذه التفاصيل مهمة وتفتح البابا لمنح المزيد من الفرص للشباب لعمل مشروعات صغيرة ومتوسطة، تتيح منتجات قياسية وتفتح أبوابا لفرص عمل بالرغم من الأزمة. وهو دور يمكن أن يقوم به صندوق دعم المشروعات الصغيرة، وتدعمه وزارة الصناعة. حتى يمكن تخطى الأزمة وفتح الباب للتوسع فى إنتاج مواد وأدوات لا تتطلب سوى إمكانات بسيطة، وفى نفس الوقت عليها طلب، ويوفر إنتاجها موازنات الاستيراد. هى فرص تولد من قلب الأزمات.