عندما أعلن الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم عن مشروع تطوير التعليم وادماج التكنولوجيا، واجه معارضة واسعة من أطراف عديدة ومن بين المعارضين أطراف تتبنى التقنية وتطالب بتغيير جذري في نظام التعليم وتحولات في أنظمة الامتحانات والمناهج من الحفظ الى الفهم. ومقاومة الدروس الخصوصية. وكل من يتابع هذا الملف يعلم ان أوضاع التعليم في مصر نتاج تراكمات وتكلس وغياب للتجديد او التطور، والمشروع الذي طرحه طارق شوقي لم يكن مجرد مغامرة وانما مشروع دولة شارك في وضعه خبراء ومستشارين مستندين لدراسات وأحوال التعليم في مصر والعالم.
وكان مشروع التابلت احد أدوات مشروع تطوير التعليم وبالرغم من ان اغلب ان لم يكن كل تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات على اتصال بالأنترنت ويعيشون على الشوسال ميديا ولدى كل منهم حساب او اكثر على أدوات التواصل الا أن مشروع التابلت واجه مقاومة من قبل كثيرين، حكموا بفشل التجربة قبل أن تبدأ، وشنوا هجوما غير مبرر، مستغلين كون التجربة جديدة ومن الطبيعي او تواجه بعض المشكلات الفنية والتنفيذية، خاصة وانها تأتى على نظام تعليمي تشكل من طبقات متراكمة من الجمود والمصالح والمستفيدين.
هناك ارتباك في بداية الامر، استغلته تنظيمات المستفيدين من الجهل ومليونيرات الدروس الخصوصية والكتب الخارجية في اشاعة انه فاشل ، والغريب أن بعض دعاة التكنولوجيا والرقمنة انضموا الى جوقات المعارضة لمشروع تطوير التعليم.
لكن فيروس كورونا وما فرضه من عزل إجباري وحجر لمئات الآلاف من التلاميذ والطلاب اسقط الكثير من حجج المقاومة لمشروع تطوير التعليم، ونجح الأساتذة والتلاميذ في استكمال العملية التعليمية بنسبة نجاح معقولة، وظهرت ابتكارات ولايفات ومحاضرات ودروس على مواقع التواصل، واصبح تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات بعد التوقف الإجباري مستعدين وقادرين ومتعاونين مع التكنولوجيا، ومثلما خففت مؤسسات كثيرة الحضور لموظفيها ونجحت في تنفيذ العمل من المنزل، نجحت خطوات التعليم عن بعد، وظهرت حلول كثيرة للدروس والمحاضرات "اون لاين" وأصبحت تطبيقات "فيس بوك" ويوتيوب قادرة على نقل العملية التعليمية وليس فقط للدردشة والنميمة والكوميكس الذى يسخر من تطوير التعليم. وبدا أن ما كان الكثيرون يقاوموه ويهاجموه ممكنا وقابلا للتطبيق.
طوال شهور بذل وزير التعليم الدكتور طارق شوقى، جهدا كبيرا لإقناع المجتمع بمشروع يتضمن بجانب الحضور الفيزيائي للتلاميذ استخدام التابلت والإنترنت فى التواصل واستكمال الدروس والواجبات. لكن المشروع واجه مقاومة من بعض الاتجاهات التي تخاف الجديد، فضلا عن مستفيدين من فوضى النظام القديم من الدروس الخصوصية وغيرها.
فجأة وتحت خطر الفيروس وتوقف الدراسة بالمدارس والجامعات ظهرت الكثير من الحلول التى بدت مستحيلة، وعلى رأسها القنوات التعليمية فى التليفزيون ويوتيوب، والمحاضرات التفاعلية بين المعلمين والتلاميذ، طلاب الجامعات في الكليات النظرية والعملية استكملوا تعليمهم من خلال المحاضرات "اللايف" والتفاعل باستخدام الموبايل التى كانت حتى وقت قريب للسوشيال ميديا فقط. وكسب المجتمع تحت الضغط ما كان يحتاج إلى سنوات للاقتناع به.
ومؤخرا اجرت وزارة التربية والتعليم امتحانات تجريبية لتلاميذ الثانوي، و دخل 581 ألف طالب في الصف الأول الثانوي إلى الامتحانات بنسبة 98%، وهو ما يعد رقما قياسيا ، وحسب ما اعلنه وزير التعليم فإن المنظومة الجديدة في الامتحانات عبر الإنترنت تقدم كافة الخدمات بمستوى عالٍ جدا ومتطور، نتاج تعاون مع عدد من الدول في منظومة التعليم و أن حوالى 98% من طلاب الصف الأول الثانوي أدوا الامتحان التجريبى من إجمالي الطلبة وتسلموا نتائجهم. مشيرًا إلى أن هناك بعض الطلبة سجلوا لدخول الامتحان على الموقع الإلكتروني من خلال أجهزة البلاي ستيشن. وهناك عدد من الطلبة لم يسجلوا لأداء الامتحان بسبب الخلل التقني .
وزارة التعليم قدمت بالتعاون مع العديد من القنوات الفضائية مراجعات لطلاب الثانوية العامة لمساعدتهم في فهم المواد العلمية.
وقال الدكتور طارق شوقى إن المنظومة التعليمية مجمدة في بعض دول العالم، ومنها دول كبرى، بينما مصر من الدول التي عقدت الامتحانات و نجحت بشكل كبير عملية استكمال التعليم من حلال بنك المعرفة والأبحاث وظهرت ابتكارات وحلول من مدرسين اون لاين او على يوتيوب او لايف على فيس بوك.
وفيما يتعلق بالبحث الخاص بطلاب الإعدادية فقد تم عمل فيديو توضيحي، لتعريف الطلاب بطرق البحث اللازمة من أجل إتمام المشروع الذي تم الإعلان عنه البحث الخاص بكل مادة، ومهما كانت المشكلات فان الامر حال تجريبه ونجاحه يمكن ان يمثل طفرة في التعليم والظروف الحالية سرعت بهذه الخطوة التي كان من المخطط لها أن تتم خلال العامين القادمين، وأسلوب الامتحان القديم، لا يظهر مهارات الطلاب ولا إمكانية العمل في مجموعة.
وخلال الامتحانات التي تمت في القاهرة والمحافظات تم تخصيص ارقام واتس اب لشكاوى المشكلات الفنية، في محافظات الوجهين القبلي والبحري، كما انتقل التعليم عن بعد للجامعات وأصبح طلاب الجامعات بالكليات العملية والنظرية يحصلون على محاضراتهم اون لاين، ويقدمون مشروعاتهم ويحصلون على تقييمات.
ونظن ان فيروس كورونا والعزل ونجاح تجربة الامتحانات بالتابلت، كانت أحد الخطوات التي دعمت موقف الدكتور طارق شوقى، واسقطت الكثير من الحجج التي شككت في مشروع تطوير التعليم، كما انها تساهم في انهاء امبراطوريات مافيا الدروس الخصوصية والكتب الخارجية والملخصات.
كل هذه الخطوات التي فرضتها الأوضاع الاضطرارية لفيروس كورونا ساهمت في تنفيذ ما بدا مستعصيا، وبعد نجاح امتحانات 600 ألف تلميذ في الثانوي، والتعليم عن بعد، فقد بدا الأمر كأنه تصويتا لصالح مشروع طارق شوقى للتعليم، ويستحق وزير التعليم اعتذار من هؤلاء الذين سنوا له السكاكين قبل ان يعرفوا شيئا عن مشروع التعليم عن بعد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة