لا أحد يختلف على أن الدولة بكل مستوياتها كانت على مستوى المسؤولية والجدية فى التعامل مع أكبر أزمة تاريخية هددت العالم كله، طبعاً لا أحد يختلف أن قطاع الصحة بكل أجنحته كان صاحب الدور الأكبر بحكم طبيعة الأزمة وعلاقتها بحياة الناس أو موتهم، والكل يقدر ويثمن هذا الجهد الذى كلما وجد مساندة من الناس فى سلوكياتهم وانضباطهم ستقل حجم خسائرنا بإذن الله، وليس بحكم انتمائى وعشقى للتعليم كأقدس مهنة، فإننى أقول إن قطاع التعليم يأتى فى المرتبة الثانية أو الأولى مكرر الذى يواجه هذه الأزمة بحكم مسؤولياته عن أكبر نسب تجمع فى البلد، وهو مجتمع الطلاب والمدارس والجامعات، وكل ما يضمه، وهى أرقام تصل إلى عشرات الملايين، واقتراباً أكثر من القطاع الذى أنتمى إليه، وهو القطاع الجامعى، فقد تابعت عن قرب ودأب أسلوب إدارة وزارة التعليم العالى والبحث العلمى والمجالس العليا الجامعية وما على مستواها، وللحق أقول، رأيت فريق عمل متجانسا متعاونا، غاية فى الجدية، يدبر الحلول الأكثر إيجابية والأقل خسائر، وجميعهم يجمعهم هدف واحد وهو صحة الإنسان، قرارات مدروسة موزونة تجمع بين الأمان الصحى والسلامة البدنية، وبين عدم إضاعة فرص استكمال العام الدارسى، قرارات جعلت من الأزمة فرصة، فالكل يعرف أن الدكتور خالد عبدالغفار، ومنذ أن تولى، سار فى اتجاهين، الأول هو الارتقاء والتوسع فى التعليم الجامعى غير التقليدى، وتعظيم استخدام تكنولوجيا التعليم من على بعد، والثانى هو التعليم العالى الفنى والتكنولوجى، من هنا استفاد الرجل ومعه كل قيادات التعليم العالى، كل حسب مجاله، للدفع بهذا التعليم المستقبلى للأمام، فمنذ متى أساتذة يجلسون على فيديو ويرسلون محاضرات، وطلاب فى البداية يقلقون ويجتهدون ويتفاعلون، ومنذ متى وهو أذكى حل رأيته إلا وهو استخدام البحوث لطلاب مراحل النقل فى الكليات والجامعات للبحوث كبديل عن الامتحانات، أياً كان أسلوب أدائها، فمهارة البحث من أرفع المهارات المطلوبة، نجعل طالب يجيد الاختيار، يدقق، يعود لمراجع، يناقش، ويصل إلى خلاصات واستفادة من تجارب عالمية، ويرتقى بمستوى لغته العربية، ويزيد من لغته الأجنبية، ويزداد الأمر إيجابية حينما يسمح لهؤلاء الطلاب بإجراء بحث جماعى، فالكل يقر من نقاط الضعف عندنا فى مصر هى البحوث الجماعية، وهذه قصة لها أسبابها ليس وقتها الآن، أجيال كبيرة سابقة تفاعلت وساندت، وأجيال جديدة من أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة اندفعت وساهمت وطورت، وهى بداية لإنهاء صراع الأجيال فكرياً، ويتحول إلى عصف ذهنى وتطوير عملى.
أهم من كل ما سبق وبحق هو التواصل الدائم على كل المستويات الأفقية والرأسية داخل مؤسسات التعليم العالى، والأهم هو التواصل مع الرأى العام بكل مستوياته واحترام حقه فى المعرفة، واستكمالا لذلك فقد أسعدنى أن وزير التعليم العالى يجرى الآن دراسة لأول مرة من نوعها تستهدف قياس اتجاهات الرأى العام الجامعى بكل فئاته، وباعتباره رأيا له سماته – نحو أداء التعليم العالى فى إدارة الأزمة وما لها وما عليها من ناحية، وكذلك استخدام نتائجها كمدخلات لوضع سيناريوهات ما بعد أزمة كورونا، ولكى أكون صادقاً مع نفسى وبلدى لابد أن أقول ورغم تأكدى من هذا، أن هذه الأزمة قد أكدت أهمية الاستثمار فى البحث العلمى بكل مجالاته، وأن تخصص له أكبر الميزانيات ولا أقول تكلفة، فاحسبوا معى تكلفة محاولة العالم للبحث عن أمصال أو علاجات لكورونا، وهنا أيضاً تأتى أهمية مساهمة الجامعات الخاصة، وكذلك القطاع الخاص فى دعم ميزانيات البحث العلمى، وأنا أعرف أن الأمر ليس بالهين، ولكنى أتوقع أو ما هو يجب أن يحدث أن تطور الجامعات سياستها وتطور صورتها الذهنية، ومنها لماذا لا تؤسس كل جامعة إدارة لتسويق مشروعاتها البحثية بأساليب ترويجية محترمة تزيد من مواردها، ومن ثم عوائد بحوثها على المجتمع، فالجامعة هى مكان يجمع المجتمع، أتمنى من الوزير الجاد الدكتور خالد عبد الغفار تبنى هذه القضية، فالبحث العلمى قضية حياة وهو ما يفعله دائماً أمام أى مبادرة جادة.