أود في بداية الحديث أن أحيي السيد الفاضل وزير التربية و التعليم علي ذكائه في انتهاز الفرصة لفرض التغيير المرجو بالمنظومة التعليمية العقيمة التي أسفرت عن عدة أجيال مصابة بالجهل و فقدان الوعي و المعرفة في ظل عقود مضت من استتباب الأوضاع المزرية بالمدارس و الجامعات العامة منها و الخاصة ،
و توحش و طغيان مافيا الدروس الخصوصية و السناتر و الملازم الخاصة و خلافه من أشكال استبداد قطاع المدرسين الذين استماتوا علي بقاء الحال علي ما هو عليه لضمان استمرار و تزايد مصادر دخولهم التي لا تتوقف عن التزايد عاماً بعد عام .
فشكلوا جبهات بعينها للمقاومة و تثبيط كافة محاولات التغيير و التطوير التي جاء بها الدكتور طارق شوقي ليجد نفسه طرف بمفرده بمواجهة جيش أو بمعني أدق عصابة ذات أفرع متعددة كعصابات المافيا ،
و ما ان حدث ما حدث ، و اجتاحت الدنيا جائحة كورونا لتتبدل الأحوال من حال إلي حال ، قام السيد الوزير مشكوراً بانتهاز الفرصة كأحسن ما يكون ، و ربما هيئت له الأقدار أن يتحقق مراده بعدما غلت أيادي الطامعين الذين لا يعنيهم بالأمر سوي استقرار أوضاعهم المادية ببقاء الحال علي ما هو عليه .
و بعد أن شرع السيد الوزير بفرض هذا التحرر من ذاك العقم العقيم ، بتحرير أذهان الطلاب و التحليق خارج هذا الصندوق الأسود و الخروج من تلك الدائرة المغلقة علي الحفظ و التلقين ثم نسيانه فور الخروج من لجنة الإمتحان
فطرح عدة موضوعات للبحث الذي هو بديل لهذا الإمتحان التقليدي ، و ترك الحرية الكاملة للطالب باختيار مصادرة من خارج الكتاب المدرسي و إطلاق العنان لمخيلته و تأملاته العقلية و استنتاجاته العملية التي لم يصادفها من قبل ،
ليقدم موضوعاً بحثياً متكاملاً يختاره دون خوف من درجات أو علامات و رسوب أو نجاحات .
فيشعر أخيراً هذا التلميذ أنه قد تحرر عقلياً من قيود لم يكن يعلم من قبل أنها قيوداً ، و يقدم موضوعاً يعبر به عن وجهة نظره و درجة فهمه و استيعابه لهذا المبحث الذي فضله و استهواه دون غيره ،
و من هنا يبدأ التغيير و الخروج الآمن من بين فكي السبع لتكون الإنطلاقة الأولي لعملية تطوير شاملة لهذه المنظومة التعليمية المهلهلة التي عفا عليها الزمان و مضي .
و لكن :
سرعان ما أبي أولياء الأمور الكرام بالتعاون مع عصابات المافيا من المدرسين ليحبطوا المحاولة و يغلقوا الطرق الممهدة بعثرات متعمدة و يلبسوا الحق بالباطل و هم يعلمون
فسارع كل ولي أمر بالعمل علي البحث الذي اختاره بنفسه لإبنه أو ابنته و قام بتجميع المصادر ،
و فضل البعض الآخر اللجوء إلي طائفة التجار من المدرسين الذين عرضوا قائمة بأسعار البحوث المطلوبة للبيع العلني و أسسوا الصفحات و الجروبات علي مواقع التواصل المختلفه و الواتس آب تعويضاً عن نصف العام الذي أصابه الركود و توقفت به حركة البيع و الشراء و المتاجرة بامتصاص أكبر قدر من دماء الأهالي ، هؤلاء الذين ربما استساغوا هذا الإستنزاف، و كلما سنحت لهم الفرصة بالخلاص منه عادوا ليبحثوا عنه من جديد .
فعندما سألني إبني الطالب بالصف الثالث الإعدادي عن كيفية عمل البحث ، لم أبخل عليه بالطرق و الكيفية و شرح الطريقة السليمة التي تمكنه من عمل البحث،
و عندما سألني المساعدة فيما هو أكثر من الإرشاد الأولي ، رفضت بشدة و حملته مسؤولية البحث عن المصادر و كتابة الموضوع بنفسه دون أي مساعدة ، و ربما قمت بتحفيزه و تشجيعه ليثق بقدراته و يقدم أفضل ما عنده ،
و لكن ما أحزنني كثيراً و أحبط سعادتي بهذه البادرة من الأمل التي هيئتها الظروف ،
بعد أن قال لي ابني أن بعض زملائه قد اشتروا الأبحاث جاهزة مجهزة من بعض المدرسين ، و البعض الآخر قام والديه بعمل الأبحاث .
فبأيدينا نحن لا بيد الغير نغلق أبواب الأمل بمستقبل أفضل لأولادنا ، و نخشي ألا نحلق بآفاق التطور و ننطلق مثلما انطلق من سبقونا ، لنستميت و بشدة و ننفق المزيد من أموالنا لإقرار الفساد المعتاد و إن كان المقابل تدمير مستقبل بلادنا