دق مرصد الأزهر لمكافحة التطرف ناقوس الخطر من جديد بعد تصاعد حدة اللهجة العنصرية خلال الآونة الأخيرة مع تفشي فيروس كورونا في أغلب دول العالم، والتي لم تقتصر على الأشخاص من الأصول الآسيوية فقط بل امتدت بين أبناء البلد ذاته.
وقال المرصد في أحدث تقرير له: إذا كان الغرض من "التباعد الجغرافي" الذي دعا إليه جميع المسؤولين في العالم هو الحفاظ على النفس البشرية والوقاية من العدوى الفيروسية، إلا أن هذه الأزمة صاحبها ظهور نوع آخر من التباعد وهو "التباعد الإنساني" الذي يعد أمرًا في غاية الخطورة؛ لغلبة مشاعر مثل "الأنانية" و"الكراهية" على تصرفات البعض مما أثر سلبًا في حياة غيرهم.
ويرى مرصد الأزهر أن وباء كورونا هو اختبار حقيقي للقيم الإنسانية التي أرستها جميع الأديان، وأن العالم الآن يعاني من وباء لا يقل خطورة عن "كورونا" وهو "العنصرية".
وأبرز المرصد ما أكده فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في كلمته إلى العالم حول فيروس كورونا من قيم إنسانية: "وأؤيد أن تقديم يد العون والمساعدة من القادرين إلى كلِ المتضرّرين والمنكوبين فى أية بقعة من بقاع الأرض، لهو واجب شرعى وإنسانى، بل تطبيق عملى للأخوّة الإنسانية، التى تضعها هذه الأزمة على محك اختبار حقيقى، يكشف عن مدى صدقنا والتزامنا بتباينها السامية.
وأوضح التقرير أنه بعد أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة والربط بين الإرهاب والإسلام، شنّت هجمات عنصرية وتمييز ضد المسلمين في أنحاء العالم، الأمر الذي امتد إلى وقتنا هذا، وهو ما أدى إلى ظهور ما يعرف بـ "الإسلاموفوبيا"؛ نتيجة لارتفاع عدد حوادث الاعتداء على المسلمين سواء لفظيًا أو جسديًا.
ورغم ما خلّفته هذه الهجمات العنصرية ضد المسلمين من آثار سلبية على المجتمعات الغربية وغيرها وعلى المسلمين أنفسهم، إلا أن الصورة الحالية تؤكد أن العالم لم يعي بعد خطورة التعميم والتمييز والعنصرية على الحياة الاجتماعية والقيم الإنسانية، فاليوم يتكرر الأمر ويطفو على السطح ما أطلق عليه البعض "الكورونافوبيا" إسقاطًا على حالة الخوف من الإصابة بفيروس كورونا وما صاحب هذه الحالة من ربط غير منطقي بين الفيروس وكل شخص يحمل الملامح الآسيوية نتيجة لبدايات ظهور فيروس "كورونا" في الصين.
"كورونا" وانتهاج العنصرية
وذكر التقرير أنه تم رصد عددًا من الأحداث الخطيرة التى صاحبت ظهور فيروس كورونا، والتي دفعت مرصد الأزهر لمكافحة التطرف إلى دق ناقوس الخطر بعد تصاعد حدة حوادث العنصرية والتمييز خلال هذه الفترة الهامة من عمر الإنسانية، حيث وقعت العديد من الحوادث القائمة على مشاعر الكراهية والخوف نتيجة لهذا السيل العارم من المنشورات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، تلك المواقع التي غزت البيوت وأصبحت أحد أركانه والمتحكم في مشاعر أفراده وتوجهاتهم.
فمنذ ظهور الفيروس في "ووهان" الصينية، شنت حملة تمييز واضحة ضد ذوى الملامح الآسيوية بعدة بلدان في العالم؛ الأمر الذي دفع مجموعة من الشباب الآسيوي إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مثل "تويتر"؛ للتعبير عن استيائهم من تلك الهجمة العنصرية عبر إطلاق وسم "أنا لست فيروسًا" والذي تم تداوله بأكثر من لغة في العالم.
ويرجع لجوء هؤلاء الشباب إلى ذلك بسبب التعليقات العنصرية والنكات الساخرة المتزايدة ضدهم خلال الآونة الأخيرة، والتي وصلت إلى حد المضايقات في المواصلات العامة وعند التسوق، وحتى الأطفال والمعلمين من الأصول الآسيوية لم يسلموا منها مثل ما شهدته المدارس في المملكة المتحدة من إساءات لفظية وتهكم تجاه العاملين من أصول آسيوية بها. الأمر الذي دفع نقابة المعلمين في بريطانيا إلى إصدار بيان تؤكد فيه تلقيها العديد من البلاغات من أعضائها نتيجة سوء المعاملة والتحامل والكراهية التي ارتفعت وتيرتها بشكل كبير منذ تفشي فيروس كورونا في البلاد.
ومؤخرًا نشرت صحيفة "نيويورك بوست" الأمريكية على صفحتها بـ "تويتر" مقطع فيديو يوثق لحظة قيام عدد من الركاب الأوكرانيين بركل وسحل شخص بسبب سعاله، وذلك بأحد حافلات النقل العام دون أن يتحرك أحد لنجدة الشخص من هذا الاعتداء الوحشي. وبهذا نجد أن هذه الهجمة العنصرية لم توجه ضد الآسيويين أو الصينيين فقط، بل امتدت لتشمل الذين يسعلون أو تظهر عليهم أي من أعراض نزلات البرد وإن كانوا يحملون نفس جنسية المعتدي عليهم.
واتخذت العنصرية شكلًا آخر في المنطقة العربية، حيث تم تداول عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل "الفيسبوك" و"تويتر" العديد من المواد الساخرة عن الصينيين، والتي تنوعت بين النكات والصور ومقاطع الفيديو المركبة إلى جانب تداول معلومات مغلوطة عن الثقافة الصينية.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل خرجت دعوات محدودة من البعض لطرد العاملين من الجنسيات الأخرى، محملين إياها مسؤولية تفشي الفيروس في بلادهم.
الأحداث المرصودة هي جزء من سلسلة الاعتداءات العنصرية والتهكم والتمييز ضد كل من يحمل ملامح آسيوية، أو المهاجرين في البلدان التي تعاني من تفشي الفيروس، وما ساهم في توسعة دائرة هذه الهجمة العنصرية سرعة الانتشار الذي تحققه المواد العنصرية على مواقع التواصل الاجتماعي التي يلجأ الناس إليها في ظل الحجر المنزلي المفروض في الكثير من دول العالم لمعرفة كل ما يدور حول الفيروس، مما زاد من فرص قراءتهم ومتابعتهم لتلك المواد التي ينشرها ضعاف النفوس والمتطرفين فكريًا والأنانيين ــ وهم نوع من الأشخاص فضل مصلحته الشخصية على غيره بل وحض على كراهية كل من لا يحمل جنسية بلده في ظل هذه الأزمة ــ ؛ وبلا شك فإن كثرة المتابعة والقراءة لتلك المواد ذات الطابع العنصري يترك تأثيرًا سلبيًا في النفوس ويعزز مشاعر الكراهية والخوف خاصة مع الربط المتواصل بين الفيروس ومكان ظهوره في الصين بوسائل الإعلام العالمية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة