قبل أسابيع فى منتصف أزمة فيروس كورونا، تحدثنا عن فرص تأتينا من قلب الأزمة، باعتبار أن كل أزمة لها آثارها الضارة، على الاقتصاد والناس، لكنها تمثل أيضا تحديا، وفرصا لمن يستطيع استغلالها.
ضربنا أمثلة بشركة المحلة للغزل والتى خصصت خطوطا لإنتاج الكمامات، وابتكر مهندسون مع أطباء واقيات طويلة المدى وملابس لوقاية الفرق الطبية. هناك جامعات ومراكز أبحاث بدأت خطوات بحثية فيما يتعلق باللقاحات والأمصال والأدوية. بل أن بعض كليات العلوم والصيدلة والطب بدأت تحيى دراسات وأبحاث الميكروبيولوجى وعلم الفيروسات. ومعروف أن هذه الأبحاث تحتاج إلى إمكانيات ودعم مادى كبير، وخلال السنوات الماضية هناك اتجاه لدعم الأبحاث بشكل عام.
ربما يقلل البعض من إمكانية أن يتوصل باحثونا إلى علاج أو لقاح، وينطلقون من نقطة عجز وإحساس بلا جدوى أى تحرك، لكن هؤلاء يتجاهلون أنه حتى لو لم يصل الباحثون إلى نتائج، سوف يكتسبون خبرات يمكنهم البناء عليها، والعلم يقوم على التجريب بالأساس.
ويمكن لهذا الحماس البحثى أن يقود لحركة علمية وبحثية، ومن ميزات أزمة فيروس كورونا، أنها أعادت التذكير بأهمية البحث العلمى الأكاديمى، وهو البحث الأساسى الذى لا يفترض أن يسعى إلى الربح، لأن فرض الصيغة التجارية على البحث العلمى تحرمه من امتلاك معلومات كافية لمواجهة الفيروسات أو الأخطار، لأن البحث الأكاديمى يمنح الباحثين القدرة على التوقع والاحتمالات.
وهناك بعض الجامعات بدأت خطوات لإنتاج أجهزة التنفس، وقطعت أشواطا فى هذا الاتجاه، ونفس الأمر فيما يتعلق بإعلان الهيئة العربية للتصنيع، عن بدء الإنتاج المحلى للأجهزة الطبية بوحدات الهيئة، مثل غرف العزل الطبى وأجهزة التعقيم والفحص الحرارى ومستلزمات الوقاية طبقا للمواصفات العالمية. وسبق ووجه الرئيس الهيئة والشركات المصرية لأن تسعى لتوفير هذه المنتجات، لمواجهة تداعيات فيروس كورونا المستجد.
وحسب حديث رئيس الهيئة أن أجهزة التعقيم والفحص الحرارى وغرف العزل الطبى تم تصنيعها وفقا لاشتراطات منظمة الصحة العالمية، حيث غرف التعقيم تستعمل تقنية الضباب ولا تؤثر على الجهاز التنفسى للإنسان وحدة الكشف الحرارى بكاميرا رقمية لقياس درجة حرارة الإنسان وتصويره تليفزيونيا من عدة زوايا، وتستغرق 5 ثوان فقط. كما تحتوى غرف العزل الطبى على كل الإجراءات الصحية العاجلة مثل وحدات تنفس صناعى وأوكسجين وشفط هواء ورسم قلب، كما تتضمن كاميرا رقمية للتواصل بين المريض وأسرته عبر الواى فاى وهى خطوة مهمة فيما يتعلق بملابس العزل أو العمل فى المستشفيات..
طبعا الالتزام بالمواصفات العالمية والصحية، يمنح ميزة تنافسية للمنتجات المصرية، ويفتح أمامها باب التصدير، وهناك أسواق عديدة يمكن أن تصلها المنتجات طالما التزمت بالمواصفات العالمية. كل هذه الخطوات تصنع حالة وفرتها الأزمة يمكن فى حال استغلالها بشكل علمى وعملى، العلم هو أول خطوة لأى تحديث وقاعدة للبحث العلمى والطبى، وبناء على الأبحاث النظرية تقوم الأفكار العملية.
وبالتالى فإن أزمة فيروس كورونا بقدر ما فرضت علينا حصارا وتسببت فى خسائر اقتصادية واجتماعية بقدر ما يمكن أن تمثل تحديا يدفع للمزيد من الشغف والجهد والإنتاج، بشكل مستمر وليس فقط مرتبطا بهجمات الفيروس.