في مرات لا نقول نادرة بل هي قليلة ما تحدث ، والمفارقة أنه في حال وجرت وقامت تلك الفضائية العابرة للقارات بتوجيه تأنيب وتوبيخ لهذا الشئ ــ ليس تقليلا لسمح الله بل هو كذلك ــ سرعان ما تعود لاحقا تُصوب الخطأ في اليوم التالي سواء بشكل مباشر أو بطرق ملتوية وما أكثرها بمعني أن تثير أو تفتعل قضية منها تنهال قدحا وذما لطرف كان قريبا من هذا النتوء أو متاخم له في الحدود والمصاهرة ، كما وجدناها بالأمس الأحد وهو ما سنأتي إليه في حينه.
تلك هي وضعية الـ " بي بي سي "عربي وما يدور في فلكها من قنوات مرئية ووسائل مسموعة ومقروءة ، إذ كان الأمر يتعلق بالحبيبة "الفييسة بالجامد " قطر .
فعلي غير العادة راحت تبث تقريرا كان بحق تقريعاً للإمارة الصغيرة جدا والقائمين عليها ويا لطيف اللطف فبعضا من هؤلاء الذين يقرءون بالإنجليزية فاجأهم فيما يشبه الصدمة هذا الأمر نفسه متمثلا في النقد المرير الذي استهدف " الدوحة " ــ وهي التي كانت حتى وقت قريب جدا تسبح بحمد تميم العرب وجيٌوبه المُطعمة بالزمرد والياقوت والملئ بالإسترليني وخلافه من أنواع البنكنوت ــ وتم نشره على واجهات صحف للندنية يقال إنها ذائعة الصيت ، هكذا يتم نعتها ــ زورا ــ من باب الاحساس بالنقص والضآلة والانسحاق أمام كل ما هو غربي الذي لا ينطق عن الهوي.!
وسبحان مُغير الأحوال فعلى موقع الشبكة البريطانية تغطية خبرية لافتة لا تخل من تعليقات ودلالات شتي لحديثين في آن واحد أولهما الاستغناء عن عشرات العاملين في طيران الدويلة القطرية ، والثاني وهو المروع ، كونه مفجعا ويعد ضربا لأبسط قواعد الإنسانية ، وهنا تجسد في مشاهد لآلاف من العمالة الآسيوية الجياع الهائمون في قيظ الصحراء يبحثون في أكياس الفضلات عن لقمة حتى لو اصابها العفن ، وجميعهم ضلت بهم السبل ووقعوا بين مطرقة سحب جوازاتهم وسندان كفيل لا يرحم.
فأين هم زملاء لنا دعاة حقوق الإنسان والذين طالما تغنوا و لازالو بالحرية التي سلبت منهم في أوطانهم وها هم أخيرا يزعمون أنهم وجدوا ملاذهم ومبتغاهم في هذا البلد الفريد بعالمه العربي الذي يعتقدون أنه فقط من يمتلك الديمقراطية والتعبير عنها ! إذن لماذا صمتوا وهم يرون جزيرتهم الغراء وقد خلت من شرح وتحليل تلك المآسي وهي ليست خافية، بيد أنهم يعايشونها ويشاهدونها ليل نهار في ذهابكم إلي قلاع التنوير وعودتهم منها إلى منازلهم المكيفة. وطبيعي لابد وأن يمتد الصمت ليشمل اصدقاء الإمارة فديكتاتورياتهم الممعنة في تنكيل وقمع مواطنيهم والزج بأصحاب الرأي والأكاديميين ونواب منتخبين بغياهب السجون لا مكان لهم البتة في الحناجر الزاعقة التي تملأ شاشات ميثاق الشرف الإعلامي ، والصحافة ليست جريمة إلى أخره من العبارات الرنانة.
يالها إذن من تناقضات مخزية تجلب العار، قد يقول قائل كيف تطلب منهم أن يفعلوا العكس ؟ فأولا من جلبوهم وعينوهم في وظائفهم لن يسمحوا لهم أصلا بذلك وثانيا وهو الأهم الخوف من فقدان مناصبهم ومرتباتهم أما المهنية التي هي فوق أي اعتبارا فلا تعد سوي كلام إنشائي كذر رمد في العيون.
لكن هذا ليس هو كل الحكاية فمن المبكيات المضحكات الحوار الذي أجرته الشبكة البريطانية مع خديجة جنكيز خطيبة الراحل جمال خاشقجي، وفيها دعت نادي نيوكاسل ورابطة الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم، إلى تغليب القيم الأخلاقية وليس فقط المصالح المالية والسياسية ومنع السعودية من الاستحواذ عليه فـ " لا يمكن للمال أن يشتري كل شيء في العالم " ، وتناست السيدة الفاضلة أن ما نادت به ينطبق بالمطلق على قبلتها القطرية وابنها البار الخليفي المرتشي صاحب سان جيرمان الذي هو ناد فرنسى .. تبا للمدعين المنافقين ومعهم تلك الميديات صاحبة الألف وجه !!