نقرأ مع كتاب "علم الكونيات: مقدمة قصيرة جدًّا" تأليف بيتر كولز، ترجمة محمد فتحى خضر، والصادر عن مؤسسة هنداوى، وينطلق الكتاب من فكرة ما الذى حدث فى الانفجار العظيم؟ كيف تكوَّنت المجرات؟ هل الكون يتسارع فى تمدده؟ ما المقصود بالمادة المظلمة؟ وما الذى سبَّب التموجات فى الخلفية الميكرونية الكونية؟ هذه فقط بعض الأسئلة التى يحاول علماء الكونيات اليوم الإجابة عنها.
ويعد الكتاب مقدمة يسيرة الفهم وغير مغرقة فى التفاصيل الفنية المتخصصة إلى تاريخ علم الكونيات وأحدث التطورات فى هذا المجال، إنه نقطة البداية المثالية لأى شخص مهتم بمعرفة الكون والكيفية التى بدأ بها.
يقول الكتاب:
أغلب المحاولات القديمة لدراسة الكون كانت مبنية بالأساس على شكل من أشكال التجسيم (أى نسبة الصفات البشرية إلى كائنات غير بشرية)، وقد تضمنت بعض هذه المحاولات فكرة أن العالم المادى تُحَرِّكه كيانات ذات إرادة نافذة يمكنها أن تساعد البشرية أو تعوقها، فيما تضمَّن البعض الآخر فكرة أن العالم المادى نفسه جامد، ولكن يمكن لإله أو آلهة أن يتحكموا فى مساره، فى كلتا الحالتين تميل قصص الخلق إلى عَزْوِ منشأ الكون إلى كيانات يمكن تفهُّم دوافعها — ولو جزئيًّا — من جانب البشر.
علم الكونيات
ثمَّة اختلافات كثيرة بين قصص الخلق حول العالم، لكنْ هناك أيضًا أوجه تشابه لافتة، على سبيل المثال، عادةً ما تتضمن هذه القصص فكرة الحرفى الأسمى، وبذا يُقدم جمال العالم الطبيعى بوصفه صنيعة يد فنان ماهر، وثمة أمثلة على هذا فى جميع الثقافات، وهناك صورة متكررة أخرى، هى نمو التنظيم من الفوضى، والتى تعكس التنظيم المتصاعد للمجتمع البشرى. أيضًا هناك صورة مشابهة تمثِّل الكون بوصفه عملية بيولوجية، وأبرز الأمثلة على ذلك موجود فى القصص التى تصوِّر الكونَ على أنه نشأ من بيضة أو بذرة.
تحتوى قصة الخلق البابلية، المعروفة باسم إنوما إليش، هذه العناصر، وترجع هذه الخرافة إلى حوالى عام 1450 قبل الميلاد، لكنها مبنية على الأرجح على روايات سومرية أخرى أقدم، فى قصة الخلق هذه تتجسَّد حالة الفوضى البدائية فى البحر، ومن البحر تنشأ آلهةٌ تمثِّل المكونات الأساسية للعالم، كالسماء والأفق وغيرهما، من بين تلك الكيانات الإلهية يتصارع الإله مردوخ مع الإلهة تيامات — ربة البحر — ويصرعها، ويشكِّل مردوخ الأرضَ من جسدها.
الصين أيضًا مصدر لعدد من التفسيرات المثيرة للاهتمام، وأحد هذه التفسيرات يتضمَّن العملاق بان جو، فى هذه القصة بدأ الكونُ كبيضة عملاقة، ظل العملاق نائمًا داخل البيضة لآلاف السنين، ثم استيقظ وتحرَّر محطِّمًا البيضة خلال ذلك. بعض أجزاء البيضة (الأخف والأكثر طُهرًا) ارتفعت مكوِّنةً السموات، بينما الأجزاء الأثقل والأدنس كوَّنت الأرضَ. حمل بان جو السموات بيديه، بينما ارتكزت قدماه على الأرض. ومع ارتفاع السموات أكثر وأكثر، صار العملاق أطول وأطول، كى يُبقى على اتصالها بالأرض، وفى النهاية مات بان جو، لكن أجزاء جسده استُخدمت على نحوٍ مفيد؛ إذ صارت عينه اليسرى الشمسَ، وعينه اليمنى القمرَ، وصار عَرَقه المطرَ، وشعره النباتاتِ، وصارت عظامه الصخورَ.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة