هناك فى التاريخ القديم حكايات لأوبئة كانت سببًا فى توقف حروب وغزوات كبيرة، وسقوط حكام وإمبراطوريات، فظل النظر إلى تلك الاوبئة على أنها الخطر الأول الذى يداهم حياة الإنسان، ويهدد البشرية على هذا الكوكب، لكن يبدو أن خطر انهيار الأنظمة الاقتصادية والمجاعات الكبرى التى تضرب الدول والإمبراطوريات الكبرى، أشد وطأه من خطر الأوبئة، حيث تسببت فى سقوط إمبراطوريات وحضارات عظيمة.
وتحمل المراجع التاريخية الكثير من حوادث المجاعات التى ضربت العالم منذ أكثر من ألفى عام، وتسببت فى خسائر كبرى، أدت لسقوط وانهيار حضارات وإمبراطوريات عريقة، ومنها:
حضارة المايا
اقترحت إحدى الدراسات أن سبب اندثار حضارة المايا القديمة وتفسخها هو المجاعة والحرب والانهيار مع تغير الطقس من طقس رطب طويل الأمد إلى جفاف، وتشير المراجع التاريخية أن حدث قحط شديد وقع ما بين عامى 800 إلى 1000م، أدى إلى مقتل عدد كبير جداً من شعب المايا بسبب المجاعة والعطش وانهيار الأنظمة الداخلية، ما أدى إلى دمار حضارتهم.
وعثر علماء من جامعتى رايس ولويزيانا الحكومية على دلائل تشير إلى أن الحفرة الزرقاء العملاقة قبالة سواحل بيليز، وهي عبارة عن حفرة عمقها 400 قدم، تدعم نظرية مفادها أن القحط وأحوال الطقس حولت شعب المايا من قوة إقليمية كبيرة إلى مجرد شعب متناثر يقتتل من أجل البقاء، ما أدى في النهاية إلى اندثار حضارته.
وكانت الدلائل التي أشارت إلى أن الجفاف هو أحد أهم العوامل في اندثار حضارة المايا قد تزايدت مع السنين، بما في ذلك "الصواعد" الكلسية التي عثر عليها عام 2012.
الإمبرطورية الرومانية
ويذكر الكاتب أنطوان الجميل فى كتابه "الجوع والمجاعات" أن المؤرخين يذكرون الأسباب التى أدت إلى سقوط الإمبراطورية الرومانية، وهى استبداد الحكام والعسف بالعمال، وانحلال الرابطة القومية، وتفشى الفساد وانحلال الأخلاق والآداب، لكن كان للجوع الأثر الأكبر التى جعلت الشعوب تنفض على رجال ونساء والأملاك الرومانية.
وتذكر عدد من المراجع أن عدة مجاعات في أوروبا الغربية ارتبطت بسقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية ونهبها من قبل ألاريك الأول. بين عامي 400 و800 للميلاد، انخفض عدد سكان روما بنسبة فاقت 90% بسبب المجاعة وطاعون جستنيان.
الفايكنج
لا يعرف السبب الحقيقى وراء سقوط إمبرطورية الفايكنج الكبرى فى أوروبا، لكن أغلب الباحثون يرون أن العصر الجليدي الصغير في القرن الرابع عشر كان له دور في انتهاء حضارة الفايكنج في جرينلاند، إذ تجمدت الطرق البحرية المستخدَمة في السفر، فانهار السوق الرئيسى القائم على تجارة العاج المأخوذ من حصان البحر، بعض العلماء يعتقدون أن السكان الباقين عادوا أدراجهم إلى آيسلندا أو إسكندنافيا، وآخرون يرون أنهم ماتوا من الجوع أو استسلموا للطاعون الأسود، وربما أبادهم الإسكيمو الذين وصلوا إلى غرينلاند من كندا قرب نهاية القرن الثاني عشر.
جزر القيامة
سكان بولينيزيا "مجموعة جزر جنوب المحيط الهادى"، الذين استطاعوا أن يبنوا حضارة فى جز القيامة إذ شيدوا مئات التماثيل الحجرية التي تدعى «مواي»، أطولها يقترب من العشرة أمتار ويزن 82 طنا، وأحدها غير مكتمل ويطلق عليه «El Gigante» (العملاق)، يبلغ طوله ما يقرب من 22 مترًا ويزن 145 طنا.
بتحليل التربة، عرف العلماء أن سكان الجزيرة قطعوا كل أشجار الغابات عليها، وأكلت الفئران بذور الأشجار قبل أن تنمو من جديد، تسبب هذا في كارثة بالطبع، فتعثر بناء قوارب جديدة للتجارة، واضطر السكان إلى حرق الحشائش للحصول على وقود، وربما أدى هذا في النهاية إلى حدوث مجاعات كبيرة أدت بدورها إلى قيام حرب أهلية، وراء انهيار تلك الحضارة التى قامت بين بين عامي 300 و1200 م.
حضارة تولتك
انتهت حضارتهم عندما غزاهم شعب تشيتشيميك وهم من البدو الرحل في حوالي 1200 تقريبا والذين منهم جاء الأزتك، وحدثت مجاعة على نطاق واسع أدت إلى انهيار شعوب بويبلو القديمة.
شعوب بويبلو القديمة
وهي شعوب أمريكية أصلية تركزت في ما يعرف الآن بمنطقة الأركان الأربع في الولايات المتحدة، إذ تشير الدراسات إلى وقوع مذابح تخللها أكل لحوم البشر، كما وصل العلماء إلى آثار تدل على قطع الغابات وحدوث مشكلات في إدارة المياه، إلى جانب جفاف طالت مدته، ويغلب الظن أنه لعب دورا كبيرا في حالات العنف التي جرت، من المرجح كذلك أن الثورات الدينية والسياسية، جراء المجاعة والجفاف عجَّلت برحيل الأهالي إلى الجنوب قرب عام 1300 من الميلاد.
الإمبرطورية الإثيوبية
في الستينات من القرن العشرين كثر عدد المعارضين لحكم الإمبراطور وطالبوا بمستوى معيشة أفضل وناهضوا الفساد الحكومي المتنامي، ساعدهم ما أصاب البلاد من جفاف وقحط ومجاعة عامي 1972-1973، اتهم الإمبراطور على أثرها بتجاهل هذه الأزمة الخانقة وتحركت مجموعة من العسكريين بقيادة منغستو هيلا مريام، وأبعدت هيلا سيلاسي عن الحكم عام 1974.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة