على مدار التاريخ الإنسانى شهد العالم العديد من الأوبئة والطواعين التى حصدت أرواح ملايين البشر، وكنت سبب فى دمار الحياة الإنسانية، وتسببت فى انهيار الأنظمة الاقتصادية بل وأيضا سبب انهيار إمبراطوريات، وتوقف فتوحات وحروب. لكن أيضا انتشرت تلك الأوبئة لعدة عوامل اجتماعية وصحية، ومنها ضمن أسباب اندلاع الحروب، وذكر العديد من المؤرخين وقائع انتشار الأوبئة بسبب ظروف الحرب وآليات القتل الممنهج التى كانت تقع بسبب تلك الحروب، ومن هذه الوقائع:
الطاعون يظهر فى الحرب البيلوبوتيسية
جل المرض ظهوره بأثينا عام 430 قبل الميلاد خلال ثاني سنوات الحرب البيلوبونيسية، وعلى حسب ما نقله المؤرخ ثوسيديديس نشأ هذا الوباء بجنوب الصحراء الكبرى بإفريقيا عند مناطق بجنوب إثيوبيا وانتقل منها نحو مصر قبل أن يحل بأثينا عن طريق ميناء بيرايوس الذي اعتمد عليه الأثينيون خلال الحرب مع إسبرطة.
فمع اندلاع المعارك، امتلك الإسبرطيون وحلفاؤهم أعدادا كبيرة من الجنود فركزوا جهودهم على الحملة البرية، وفى المقابل امتلكت أثينا عددا هاما من السفن والبحارة ففضلت الانسحاب خلف أسوار المدينة وشن حملة بحرية ومهاجمة قوات إسبرطة انطلاقا من البحر، وبسبب الانسحاب، تزاحم عدد كبير من السكان داخل أسوار أثينا وسط ظروف صحية سيئة مسهّلين بذلك عملية انتشار الوباء.
سقوط بغداد
بعد سقوط عاصمة الدولة العباسية بغداد فى 14 فبراير 1258م، استباحوا دم الناس، ورغم اختلاف التقديرات حول عدد القتلى في بغداد إلا أنه من المتفق أنَها كانت أعدادا ضخمة جدا، وقد تناثرت الجثث في الطرقات كأنها التلول، ثُم تساقطت عليهم الأمطار فتغيرت صورتهم، وأنتنت المدينة من جيفهم، وتغير الهواء، واضطر هولاكو أن ينقل مخيمه من المدينة بِسبب رائحة العُفونة التي انطلقت من جيف القتلى.
وحصل بِسبب ذلك وباء شديد حتى تعدى وسرى في الهواء إِلى الشام، فمات خلق كثيرٌ من تغيُّر الجوِّ وفسادِ الرِّيحِ في حلب ودمشق. يقول ابن كثير: "فَاجْتَمَعَ عَلَى النَّاسِ الْغَلَاءُ وَالْوَبَاءُ وَالْفِنَاءُ وَالطَّعْنُ وَالطَّاعُونُ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ" وسرعان ما أُصيب بالوباء الكثير من الأشخاص الذين نجوا من المذبحة، فماتوا هم أيضًا، ويقال أن هولاكو كان قد عقد العزم على إحراق بغداد عن بكرة أبيها قبل أن يغادرها لكثرة ما أنتن جوها وبعد أن لم يبقى فيها من معالم الحضارة والعمران إلا اليسير، لكن كتبغا نصحه ألا يفعل لأن بغداد مدينة كبيرة ومقصد التجار من كل حدب وصوب، ويمكنها أن تأتي للمغول بالأموال الطائلة، فصرف هولاكو النظر عن إحراقها.
الجدرى فى حرب الهند وفرنسا
دارت حرب بين فرنسا والهند، لكن لجأت بريطانيا العظمى لنفس المبدأ. أرسل قائد القوات البريطانية غطاءين ومنديلاً كهدية لرؤوساء القبائل الهندية، الهدية لم تكن تلك الأقشمة، بل فيروس الجدري الفتاك. وحقق الفيروس مراد مُرسليه ففتك بمعظم السكان الأصليين. تفرق الهنود في أماكن متفرقة ومتباعدة هربًا من الوباء، خَمل الفيروس فترة لكنه معركته معهم لم تنتهِ، وربما أُطلق عليهم لاحقًا، لا وجود لحقيقة مؤكدة بهذا الصدد، لكن الحقيقة المؤكدة أن الوباء عاد ، لينتشر بين عامي 1817 و1840 قاتلًا ما يزيد على نصف السكان الأصليين الذين نجو من هجمته الأولى، ثم هلكت البقية الباقية من السكان بين أعوام 1890 و1910.
الحرب العالمية الأولى سبب انتشار الانفلونزا الإسبانية
يقول مؤرخون إن الفيروس انتشر أولا عام 1918، في الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الأولى، التي اعتبروا أنها مسئولة بصورة جزئية عن تفشي المرض، رغم أن البعض ربطه مؤخرا بالصين.
ويضيفون أن الجنود على الجبهة الغربية للحرب، كانوا يعيشيون في خنادق ضيقة وقذرة ورطبة، مما أدى إلى إصابة عدد منهم.
وبسبب سوء التغذية، ضعف الجهاز المناعي لهؤلاء، الأمر الذي جعلهم عرضة لفيروس الإنفلونزا الإسبانية، بحسب ما يقول موقع "لايف سيانس" العلمي.
ومن خندق إلى آخر انتشرت الإنفلونزا، حتى خرجت من النطاق العسكري لتصيب المدنيين، خاصة عندما بدأ الجنود في العودة إلى منازلهم مع توقف القتال، ليتفشى الفيروس في قراهم ومدنهم.
ولم يتعاف الكثير من المصابين من الجنود والمدنيين بسرعة، وفي المقابل، تحسنت حالات البعض بعد ثلاثة أيام من الإصابة، ومما ساهم في تفشي الفيروس مقتل الكثير من الأطباء خلال الحرب، التي أودت بحياة الملايين من البشر.