وفي الوقت الذي يتقلب فيه لبنان على جمر أزمة مالية عميقة ونقص في الدولار، لم يعد لدى الناس أموال ينفقونها على عمال المساعدة. وبعد إغلاق مطار بيروت ضمن إجراءات العزل العام لمنع تفشي فيروس كورونا، لا تستطيع تيميتوب العودة إلى وطنها حتى لو خاضت تجربة المحاولة.
وقالت تيميتوب، التي قفزت من المبنى في سبيل الهرب بعد أن ضربها صاحب العمل حتى نزفت دماؤها "أشعر بخوف شديد. لا يمر يوم دون أن أبكي فيه... لم يعد لدي مال حتى لإطعام نفسي الآن".
وأصبحت تيميتوب تعيش مع أصدقائها، معتمدة على أي شيء يمكن أن يقدموه لها، وعلى غرار نساء كثيرات من أفريقيا وآسيا في لبنان، استقدمت تيميتوب، وهي أم لطفلين، للعمل كي تتمكن من إرسال المال إلى عائلتها.
لكن نقص الدولار الذي أثقل كاهل مئات الآلاف من العمال المهاجرين في لبنان حول بعضهم إلى مشردين في الشوارع يتوسل كثيرون منهم من أجل العودة إلى بلادهم.
وتحذر جماعات حقوق الإنسان من أن ذلك يعرض العمال لخطر سوء المعاملة والصدمات النفسية، كما امتلأت ملاجئ السفارات والمنظمات غير الحكومية عن آخرها.
ومنذ أن سقط لبنان في أتون الأزمة أواخر العام الماضي، فقدت العملة المحلية أكثر من نصف قيمتها. وقفزت الأسعار باتجاه الصعود مع انزلاق المزيد من اللبنانيين إلى براثن الفقر.
وعرقلت جائحة كورونا جهود الحكومة لإعادة العمال عبر سفاراتهم. فحتى هذه الرحلات الجوية تتطلب دفع مبالغ مالية بالدولار.
وقالت زينة مزهر من منظمة العمل الدولية إن الحاجة للملاجئ صارت أكبر من أي وقت مضى "بالنسبة لمن فقدوا وظائفهم ولم يعد لهم مكان يذهبون إليه".
وتقول جماعات النشطاء إنها تتلقى اتصالات بشكل متواتر من عاملات منازل تعرضن للغبن والطرد أو هربن من أسر أصحاب العمل.
ويشكل العمال المهاجرون العمود الفقري في جسد قطاعات مثل جمع القمامة والخدمة المنزلية في لبنان، ولا يتمتع كثيرون منهم بأي حقوق تذكر، ويتعرضون للعنصرية على نطاق واسع وينتهي المطاف ببعضهم إلى الانتحار.
وتعمل معظم النساء كخادمات في إطار نظام "الكفالة" الذي شبهه حتى وزير العمل السابق بالرق. ويمنعهن هذا النظام من المغادرة دون موافقة صاحب العمل، وتتأرجح الرواتب حول رقم 150 دولارا في الشهر.
وفي الشهر الماضي، استجوبت الشرطة رجلا حاول بيع مدبرة منزل نيجيرية مقابل 1000 دولار على موقع "فيسبوك".
وقالت زينة مزهر إن الأزمات، سواء كانت كورونا أو الاقتصاد، تكشف عورات نظام الكفالة.
وكانت زوجة رئيس الوزراء أثارت جدلا في الأسبوع الماضي عندما دعت اللبنانيين الذين يعانون بسبب تزايد البطالة إلى العمل بالمهن التي يشتغل بها الأجانب عادة مثل الخدمة المنزلية أو حراسة العقارات والمباني.
وأضرب جامعو القمامة من بنجلادش لأسابيع بعد أن تحولت شركة إدارة النفايات في بيروت، رامكو، إلى نظام دفع الرواتب بالليرة اللبنانية، مما قوض قيمة أجورهم.
وعندما منع العمال شاحنات القمامة من الخروج في إجراء احتجاجي الأسبوع الماضي، جاءت شرطة مكافحة الشغب وأطلقت عليهم قنابل الدخان وضربت بعضهم.
ولم يرسل محمد إلاهي أموالا إلى زوجته وابنتيه في بنجلادش منذ أشهر. وقال "عائلتي تبكي كثيرا.. لا يستطيعون دفع رسوم المدرسة، ولا شراء ما يكفي من الطعام".
وأضاف أن الشركة وافقت أخيرا على زيادة الأجور بالعملة المحلية.
وقال مدير شركة رامكو وليد بوسعد إنه لم يكن أمام الشركة خيار آخر لأن الدولة اللبنانية، وهي العميل الرئيسي، توقفت عن الدفع بالدولار في أواخر العام الماضي، علاوة على ملايين المتأخرات التي تدين بها الحكومة. وقال "من حق العامل أن يطلب الأجر بالدولار... لكن بعض الأمور تخرج من أيدينا".
بالنسبة لمحمد، يبدو المستقبل في لبنان غامضا. ويقول "أريد أن أعمل. ولكن بدون العثور على حل، لا فائدة من وجودي هنا.. سأرغب حينئذ في المغادرة. جميعنا سنرحل".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة