منذ بداية أزمة فيروس كورونا، كانت كل المؤشرات تذهب إلى أنها أزمة سوف تطول، وأن الأمر بحاجة إلى التفهم وليس الادعاء أو المزايدة. وأهم ما يفترض النظر فيه عند تحليل أى فعل أو رد فعل هو استعراض خرائط الفيروس فى العالم وليس فقط محليا، ليرى أن الأنظمة الصحية فى أكبر الدول تعرضت لهزات ومعها اليقين الطبى والإنسانى الذى كان مستقرا فى حد أدنى. لقد اضطر فيروس كورونا مليارات البشر للبقاء فى منازلهم وفرض عليهم خوفا وإجراءات ما كانت ترد ولو فى الأحلام، أو الكوابيس.
ومن هذه النقطة يفترض التعامل فى تقييم الإجراءات التى اتبعت من البداية محليا وعالميا والتى كانت تتخذ للمرة الأولى وماتزال محل تقييم باعتبار أنه لا توجد سوابق لمثل هذا الحال. ويمكن تطبيق نفس طريقة التفكير مع ما جرى خلال الأيام الماضية، وتمثل فى شكاوى من أطباء وبيانات حماسية من نقابة الأطباء وضجيج كثير انعكس على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى والتى أهم ما يميزها أن الأغلبية تعلن آراء وتحليلات بناء على معلومات منقولة يصعب التثبت من صحتها أو خطأها.
فقط نحن أمام عنعنات وحتى البيانات النقابية أو التصرفات مبنية على معلومات غير مؤكدة، وحتى موضوع الاستقالات التى يفترض أن أطباء تقدموا بها اتضح أنها استقالات افتراضية على فيس بوك يبدو أنه تم إنتاجها من أجل العرض فى قناة الجزيرة وتوابعها وليس من أجل الصالح العام أو الخاص.
وحسنا فعلت الدولة عندما فصلت بين مطالب مشروعة لآلاف الأطباء فيما يتعلق بالحماية والعلاج حال العدوى، وبين أصوات اعتدنا عليها هدفها صناعة ضجيج وفرقعة لزوم التمثيل. وحتى موضوع الطبيب الذى توفى كان مهما التحقيق فى أسباب وفاته وما إذا كانت نتيجة إهمال أو تقصير من قبل مقدمى الخدمى الصحية حتى يمكن محاسبة المقصرين.
مؤكد أن الفصل بين مطالب وحقوق مشروعة، للأطباء والأطقم الطبية، وبين بيانات وتمثيليات هزلية، أو تهديدات فارغة من قبل بعض المدعين الذين يبدو أنهم لم يكونوا يتوقعون أن تجرى الأمور بهذه السرعة والحسم.
وما نزال نطالب بضرورة كسر الحواجز بين نقابة الأطباء ووزارة الصحة، حتى يمكن تفويت الفرصة على تحركات ليست بريئة ومحاولات ركوب الموجة والصيد فى ماء عكر على حساب الأطباء والمرضى.
وبقدر ما كانت نقابة الأطباء موفقة فى خطابات لرئيس الوزراء فيما يتعلق بمطالب حماية الأطباء بقدر ما كان البيان المنسوب لنفس النقابة خاليا من اللياقة مزدحما بروائح سياسية وشعارات لا تتناسب مع الوقت ولا الظرف. ولا يمكن أن يكون بيانا صادرا من نقابة مهنية بينما يمتلئ بالتهديد والمزايدة والادعاءات. متماشيا مع لغة أطلقها عدد قليل ممن يزعمون الانتساب لمهنة الطب لا يمكن أن تصدر من أطباء أو أطقم طبية.
وكل هذا لا يحول دون تأكيد الطلب بعبور الفجوة بين وزارة الصحة ونقابة الأطباء، بناء على قواعد ومواثيق مع استبعاد الأصوات النشاز التى تفتقد إلى الحس أو العمل العام. وربما يمكن لنقابة الأطباء أن تلعب دورا فى مواجهة حالات الاتجار بالطب والتى تتم فى مستشفيات خاصة تبالغ فى الأسعار وتستغل الأزمة لفرض أرقام فلكية للعلاج والحجز وهو دور للوزارة والنقابة معا حتى يمكن أن تدخل المستشفيات الخاصة ضمن جهود مواجهة الفيروس فى حال اتساعه بشكل يضاعف الأعباء على المستشفيات العامة والجامعية.
ومرة أخرى نؤكد أن فيروس كورونا أزمة تحتاج إلى تفهم الدولة والمجتمع والتخلى عن روح المزايدة والتربص والادعاء الفارغ. ومن هنا فقد انتزعت الدولة فتائل كثيرة بقرارات تحمى الأطقم الطبية كلها وليس فقط الأطباء، لأن الفرق الطبية كلها تتعرض للعدوى، مثلما يجرى فى دول العالم.