أحمد التايب

السلاح الناعم

الإثنين، 04 مايو 2020 11:59 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد النجاح الجارف لمسلسل الاختيار، من خلال تقديم ملحمة بطولية، لشهيد من أبطالنا البواسل، كرمز لعدد كبير من الملامح البطولية التى تقدمها قواتنا المسلحة فى حربها ضد القوى الظلامية من أصحاب الأفكار الدموية، ثبت من جديد أن الدراما بالفعل هى أحد أهم الأسلحة الناعمة التى يمكنها أن تتوغل إلى داخل العقول لتغيرها، وإلى الأفكار فتحولها، وذلك خلال محاربة الفكر المتطرف، ونشر الوعى وحماية العقول والقلوب من الأفكار التى يزرعها تلك الدمويون.
 
فمنا منا ينسى تأثير السينما المصرية فى السبعينيات وما بعدها من عهود وصولا لفيلم الممر ومسلسل الاختيار، فكلنا نحفظ أحداث وسيناريوهات أفلام "الرصاصة لا تزال فى جيبى"، و"العمر لحظة"، و"أبناء الصمت"، و"الوفاء العظيم"، و"حكايات غريب"، و"بدور"، و"إعدام ميت"، و"الطريق إلى ايلات"، و"يوم الكرامة، و"أيام السادات"، ومن ينسى أيضا الأعمال الدرامية مثل مسلسل "الثعلب"، و"الحفار"، و"الزيبق"، والسقوط فى بئر سبع"، و"الصفعة"، و"دموع فى عيون وقحة"، و"رأفت الهجان".
 
ولعظمة سلاح الدراما والسينما، فإن هناك دولا استخدمت هذا السلاح بقوة، حيث صرفت على أعمال فنية مليارات من الدولارات، بل وصل الأمر أن هناك دولا قامت بتقديمها لشعوبها بالمجان، من أجل تصدير صورة طيبة وزيادة للوعى والانتماء، واستخدامها فى الترويج لكثير من السياسات والقطاعات، لأنها ببساطة شديدة، هذه الأعمال تصل كل منزل، وإلى كل فئة بالمجتمع، فهى تصل مثلا لكل سيدة أو رجل ليس لهما أى حراك سياسى، وتصل إلى ريفى أو ريفية لا يقرئان، وتصل إلى كل شاب متطلع إلى حياة جديدة.
 
فاليابان مثلا، استعملت الدراما لتصدير صورة هادئة عن الشعب اليابانى الطيب الوديع، وهو حاليًّا هكذا بالفعل، لكنهم قدموها ليتم محو الصور الذهنية المترسبة فى العقول عن الفترة الدموية خلال حربها مع الصين أو خلال الحرب العالمية الثانية، تلك الحروب التى أخذ الكثير عنها، أن الإمبراطورية اليابانية فى قمة التوحش والشراسة، وبالفعل استطاعت تلك الأعمال فى تحقيق أهدافها.
 
ولأن من الصعب استبعاد الفن عن السياسة والحياة الاجتماعية، وخاصة بعد الثورة التقنية والتكنولوجية، من خلال تطور وسائل الاتصال، فأنت تستطيع مثلا، أن تجسد بصورة واحدة حدثا ضخما، فى وقت لم تسطيع أن تجسده أو تعبر عنه بأى من الرسائل المقروءة، وكذلك بعد التعامل المخيف والهائل على مواقع التواصل الاجتماعى والتى أصبحت منهبا للأخبار وملهما للأحداث، وساحة وعى كبيرة لدى كل الشباب من مختلف الفئات.
 
فلك أن تتخيل وفقا لدراسة بمرصد الأزهر لمكافحة الإرهاب، أن 75% من الشباب الذين ذهبوا إلى سوريا والعراق فى الفترة ما بين 2014 و2017 لكى ينضموا إلى التنظيمات الإرهابية، كانوا ينضمون إلى تنظيم داعش الإرهابى مقابل 25% كانوا ينضمون إلى جماعات إرهابية أخرى، وإن السبب الرئيسى فى ذلك هو قوة الآلة الإعلامية لتنظيم داعش فى تلك الفترة.
 
بل أن الأمر الجلل، التى أكدت عليه هذه الدراسة، أن تلك الجماعات والتنظيمات الإرهابية تعلم جيدا أهمية الفن ودوره، وخاصة الفنون المرئية وقدرتها على التأثير والجذب، ولهذا تقوم ببث فيديوهات وصور تأخذ شكل الأفلام التسجيلية، والأنشودات الغنائية، على منصات التواصل الاجتماعى، لزيادة الحشد وإقناع رواد تلك المواقع بأفكارهم، بل واستقطابهم.
 
ولهذا، فإذا كانت الآلة الإعلامية والفنون المرئية هى السبب الرئيسى الذى يميز جماعة إرهابية عن أخرى فى استقطاب وجذب الشباب وإقناعهم بأفكارهم المتطرفة، فلزم على الدولة أن تحاربهم بنفس هذا السلاح، وذلك يتأتى من خلال دعم الدراما الوطنية من جديد، للعب دور توعوى فى قضايا التطرف والإرهاب عن طريق كتابة نصوص درامية تسمو بالإنسان وتهذب الوجدان وتزيد من وعى الشباب وتغرس الوطنية والانتماء وتعمق ثقافة السلام والحوار والاختلاف فى إطار التسامح، وهذا ما فعلته الدراما الوطنية فى السبعينات، وما فعله فيلم الممر العام الماضى، وهو ما يفعله مسلسل "الاختيار" الآن فى شهرنا الفضيل..






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة