اقرأ مع جواد على.. "المفصل فى تاريخ العرب" تاريخ "مكة" أو القرية القديمة

الثلاثاء، 05 مايو 2020 12:00 ص
اقرأ مع جواد على.. "المفصل فى تاريخ العرب" تاريخ "مكة" أو القرية القديمة المفصل فى تاريخ العرب
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نواصل مع المفكر العربى الكبير جواد على (1907- 1987) وذلك من خلال كتابه المهم "المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام" قراءة أيام العرب وقبائلهم، واليوم نتوقف مع تاريخ مكة. 

يقول جواد على:

مكة بلد فى وادٍ غير ذى زرع، تشرف عليها جبال جُرْد، فتزيد فى قسوة مناخه، ليس بها ماء غير ماء زمزم، وهى بئر محفورة، وآبار أخرى مجة حفرها أصحاب البيوت، أما مياه جارية وعيون غزيرة، على ما نرى فى أماكن أخرى، فليس لها وجود بهذا المعنى هناك، وكل ما كان يحدث نزول سيول، قد تكون ثقيلة قوية، تهبط عليها من شعاب الهضاب والجبال، فتنزل بها أضرارًا فادحة وخسائر كبيرة، وقد تصل إلى الحرم فتؤثر فيه، وقد تسقط البيوت، فتكون السيول نقمة، لا رحمة تسعف وتغيث أهل البيت الحرام.

لذلك لم تصلح أرض مكة لأن تكون أرضًا ذات نخيل وزرع وحب، فاضطر سكانها إلى استيراد ما يحتاجون إليه من الأطراف والخارج، وأن يكتفوا فى حياتهم بالتعيش مما يكسبونه من الحجاج، وأن يضيفوا إلى ذلك تجارة تسعفهم وتغنيهم، وتضمن لهم معاشهم، وأمانًا وسلمًا يحفظ لهم حياتهم، فلا يطمع فيهم طامع، ولا ينغص عيشهم منغص: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ". 

ويعود الفضل فى بقاء مكة وبقاء أهلها بها إلى موقعها الجغرافى، فهى عقدة تتجمع بها القوافل التى ترد من العربية الجنوبية تريد بلاد الشام، أو القادمة من بلاد الشام تريد العربية الجنوبية، والتى كان لا بد من أن تستريح فى هذا المكان، لينفض رجالها عن أنفسهم غبار السفر، وليتزودوا ما فيه من رزق، ثم ما لبث أهلها أن اقتبسوا من رجال القوافل سر السفر وفائدته، فسافروا أنفسهم على هيئة قوافل، تتولى نقل التجارة لأهل مكة وللتجار الآخرين من مكة المكرمة.
فلما كان القرن السادس للميلاد، احتكر تجار مكة التجارة فى العربية الغربية، وسيطروا على حركة النقل فى الطرق المهمة التى تربط اليمن ببلاد الشام وبالعراق.
 
وللبيت فضل كبير على أهل مكة، وبفضله يقصدها الناس من كل أنحاء العالم حتى اليوم للحج إليه. وقد عرف البيت بـ"الكعبة"؛ لأنه مكعب على خلقة الكعب، ويقال له: "البيت العتيق" و"قادس" و"بادر"، وعرفت الكعبة بـ"القرية القديمة" كذلك.
 
وبمكة جبل يطل عليها، يقال له: جبل "أبى قبيس"، ذكر بعض أهل الأخبار أنه سُمِّى "أبا قبيس" برجل حداد، لأنه أول من بنى فيه، وكان يسمى "الأمين" لأن الركن كان مستودعًا فيه، وأمامه جبل آخر، وبين الجبلين وادٍ، فيه نمت مكة ونبتت، فصارت محصورة بين سلسلتين من مرتفعات.
 
وقد سكن الناس جبل "أبى قبيس" قبل سكنهم بطحاء مكة؛ وذلك لأنه موضع مرتفع ولا خطر على من يسكنه من إغراق السيول له، وقد سكنته "بنو جرهم"، ويذكر أهل الأخبار أنه إنما سمى "قبيسًا" بـ"قبيس بن شالخ" رجل من جرهم, كان فى أيام "عمرو بن مضاض ويظهر أنه كان من المواضع المقدسة عند الجاهليين، فقد كان نُسَّاك مكة وزهادها ومن يتحنف ويتحنث ويترهب من أهلها فى الجاهلية يصعده ويعتكف فيه، ولعله كان مقام الطبقة المترفة الغنية من أهل مكة قبل نزوح "قريش" إلى الوادى، وسكنها المسجد الحرام المحيط بالبيت.
 
ويظهر من سكوت أهل الأخبار عن الإشارة إلى وجود أُطم أو حصون فى مكة للدفاع عنها، أن هذه المدينة الآمنة لم تكن ذات حصون وبروج ولا سور يقيها من احتمال غزو الأعراب أو أى عدو لها، ويظهر أن ذلك إنما كان بسبب أن مكة لم تكن قبل أيام "قصي" فى هذا الوادى الذى يتمركزه "البيت"، بل كانت على المرتفعات المشرفة عليه.
 
أما الوادى، فكان حرمًا آمنًا يغطيه الشجر الذى أنبتته السيول ورعته الطبيعة بعنايتها، ولم يكن ذا دور ولا سكن ثابت متصل بالأرض، بل كان سكن من يأوى إليه بيوت الخيام، وأما أهل المرتفعات فكانوا، إذا داهمهم عدو أو جاءهم غزو، اعتصموا برءوس المرتفعات المشرفة على الدروب، وقاوموا العدو والغزو منها، وبذلك يصير من الصعب على من يطمع فيهم الوصول إليهم، ويضطر عندئذ إلى التراجع عنهم، فحمتهم الطبيعة بنفسها ورعتهم بهذه الرؤوس الجبلية التى أقامتها على مشارف الأودية والطرق، فلما أسكن "قصى" أهل الوادى فى بيوت ثابتة مبنية، وجاء ببعض من كان يسكن الظواهر لنزول الوادى، بقى من فضل السكن فى ظواهر مكة، أى: على المرتفعات، يقوم بمهمة الأخشبان أبو قبيس، وهو الجبل المشرف على الصفا، وهو ما بين حرف أجياد الصغير المشرف على الصفا إلى السويداء التى تلى الخندمة، وكان يسمى فى الجاهلية الأمين، والأخشب الآخر الجبل الذى يقال له الأحمر، وكان يسمى فى الجاهلية الأعرف، وهو الجبل المشرف وجهه على قعيقعان".






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة