يبدو صمت المنظمات الدولية فى أزمة فيروس كورونا مثيرا للدهشة. الأمم المتحدة ظهرت فى الصورة من خلال بعض البيانات والنصائح ودعوات عامة للعالم بمواجهة الفيروس. الأمم المتحدة والمنظمات الدولية كان يمكنها أن تلعب دورا يعيدها إلى الحياة من خلال عمل مفيد يتناسب مع حجم الخطر.
صحيح أن منظمة الصحة العالمية إحدى منظمات الأمم المتحدة لكن الحديث هنا عن دور سياسى للأمم المتحدة ومجلس الأمن، بما لهما من سلطة يمكنها دفع الدول الكبرى للمساهمة بشكل أكبر فى عمل جماعى للتوصل إلى لقاح أو علاج وأيضا أن تحرك المجتمع الدولى تجاه مواجهة أكبر لتهديد يتجاوز تهديدات الحروب، وأن يجرى التعامل مع الفيروس بشكل عام بوصفه تهديدا للعالم وليس فقط للدول الكبرى. المنظمات الدولية قامت بالأساس من أجل حل النزاعات ودراسة الأخطار والتهديدات، ولا يتعلق هذا بالصراعات والحروب لكن بالأساس فى مواجهة أى خطر يهدد الأمن والسلم الدوليين. وليس هناك خطر أشد من فيروس غامض، يمكن للأمم المتحدة ومجلس الأمن أن يدعما دراسات مشتركة وتوزيع عادل للمعونات للتصدى لأخطار الفيروس لكن المنظمة فضلت دورها الدبلوماسى، وأن «تخرج بالمظلات بعد أن يتوقف المطر» حسب وصف الزعيم الفرنسى الراحل شارل ديجول فى تعبيره عن الدبلوماسيين.
لقد اشتهر الأمين العام السابق بان كى مون، باحتراف الإعراب عن القلق تجاه أى صراع أو صدام يقع فى العالم، الآن مع الأمين العام الحالى أنطونيو جوتيريش يختفى الإعراب عن أى شىء.
الأمم المتحدة ومجلس الأمن كانا طوال العقود الماضية تحت سيطرة الدول الخمس الكبار أصحاب حق الاعتراض الفيتو على أى قرار، وقد تبدو أزمة فيروس كورونا من الأزمات التى ليس عليها خلاف، أو تحتاج لفيتو، لكن الواقع أن الخلافات قائمة بين الصين والولايات المتحدة، وأوروبا، ورأينا اتهامات أمريكية لمنظمة الصحة العالمية وردا من المنظمة، وهى خلافات اتخذت أبعادا سياسية وتجارية، وغابت عنها الأمم المتحدة.
الأمم المتحدة قدمت عبر موقعها معلومات ونصائح يمكن لأى موقع أن يقدمها ولم تقم بدور فاعل وحقيقى تجاه جائحة تهدد ملايين المواطنين عبر العالم، وفيروس لا يفرق بين غنى وفقير ولا بين دولة متقدمة وأخرى فقيرة بل أن التخلى عن الدول الأكثر فقرا استمرار لسياسات خدمة الكبار. بالرغم من أن التهديد عالمى لم تدع الأمم المتحدة إلى عقد جلسات ولم يظهر صوت لمجلس الأمن الذى اعتبر الفيروس خارج نطاق اختصاصاته.
لقد ظهرت عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى، أطاحت بها الحرب العالمية الثانية وتكونت الأمم المتحدة بمعرفة وسيطرة الخمس الكبار الذين قسموا العالم.
منذ التسعينات ونهاية الحرب الباردة خضعت المنظمة لسيطرة الولايات المتحدة بشكل أساسى وخلفها الغرب غزت أمريكا العراق بغطاء من مجلس الأمن، وخلال العقد الأخير عجزت المنظمة أو مجلس الأمن عن مواجهة اضطرابات تعصف بشعوب الشرق الأوسط وملايين اللاجئين من سوريا والعراق واليمن وليبيا عجزت وتأكد العجز من أزمة فيروس كورونا، حيث تحولت الأمم المتحدة إلى منظمة نصح وإرشاد، وحتى الإعراب عن القلق تراجع. وهو ما يجعل كورونا كاشفة عن عجز منظومة الأمم المتحدة وتوابعها عن اتخاذ أى خطوة عملية بمواجهة فيروس يهدد البشر جميعا.