فى كثير من الأحيان يحدث من الناحية العملية، أن يحضر المتهم أمام محكمة الجنايات مُفرجاَ عنه – مخلى سبيله - ويبدأ محاميه في طلب تحقيق أدلة الدعوى عن طريق سماع شهود الإثبات وخلافه، فتأمر المحكمة بتأجيل الدعوى لجلسة تالية لتحقيق طلبات الدفاع مع الأمر بإلقاء القبض على المتهم وحبسه احتياطيا على ذمة القضية، مما قد يحرج الدفاع لأنه تسبب بطلبات التحقيق فى حبس موكله.
وعند عدم تنفذ طلبات الدفاع فى الجلسة المؤجلة لها الدعوى، وصدور قرار التأجيل مع حبس المتهم الذى كان مفرج عنه، يضطر دفاع المتهم إلى التنازل عن طلباته والمرافعة فى الدعوى بحالتها، فيصدر الحكم بالإدانة بعد ذلك، والسؤل المثار هل من حق المحامى أن يستغل هذا الإجراء من قبل المحكمة ويدفع بمذكرة الطعن بالإخلال بحق الدفاع وإبطال المحاكمة والحكم الصادر فيها؟.
مدى قانونية حبس المتهم المفرج عنه؟
فى التقرير التالى، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية فى منتهى الأهمية تواجه المتهمين ومحاميهم فى القضايا من خلال الإجابة على السؤال متى يعد قرار المحكمة بحبس المتهم المفرج عنه احتياطيا مبطلا لإجراءات المحاكمة والحكم الصادر فيها؟ وكيف يستغل المحامين هذه الإشكالية فى الطعن على الأحكام لإلغائها أمام محكمة النقض – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر فاروق الأمير.
المشرع أجاز للمحكمة حبسه لضرورة ملحة
فى البداية، يجب أن نعلم أن العديد من الآراء الفقهية قد تطرقت لهذا الأمر فيقال إنه لا يجوز الدفع ببطلان الحبس الاحتياطى طالما أن هذا الإجراء لم يسفر عن دليل منتج فى الدعوى، كما ورد فى الطعن رقم 20465 لسنة 85 جلسة 17 مايو 2017 – إلا أن هذا القول مردود عليه بأن المسألة لا تتعلق ببطلان الحبس الاحتياطي في حد ذاته بل في تأثير هذا الحبس على حقوق الدفاع وبالتالى بطلان المحاكمة والحكم الصادر – وفقا لـ"الأمير".
نص المادة 380 إجراءات
الواقع أن ظاهر نص المادة 380 إجراءات: "لمحكمة الجنايات فى جميع الأحوال أن تأمر بالقبض على المتهم وإحضاره، ولها أن تأمر بحبسه احتياطياً، وأن تفرج بكفالة أو بغير كفالة عن المتهم المحبوس احتياطياً"، هذا النص لا يرشح للبطلان، لأنه أعطى محكمة الجنايات مطلقا سلطة الحبس الاحتياطي، وبالتالى لا بطلان أن استخدامه حقها فى حبس المتهم إذ لا يعد ذلك إكراه معنوى وقع على المتهم ودفاعه، وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض فى أحكامها إلا أن قلة من الأحكام أبطلت المحاكمة فى هذه الحالة للإخلال بحق الدفاع، كما هو الحال فى الطعن رقم 18388 لسنة 61 ق – جلسة 18 يناير 1994.
تصدى محكمة النقض للأزمة
وقضاء النقض الأخير هو الأصوب إذ يجارى المنطق ويتفق مع أصول المحاكمة المنصفة التى تكفل للمتهم حق الدفاع بحرية تامة دون ثمة تأثير، أما قضاؤها الأول فيه نظر إذ فيه إطلاق لا يخلو من الخطأ، لأنه إذا كان من حق محكمة الجنايات القبض على المتهم وحبسه على ذمة المحاكمة، فإن من حق المتهم كذلك أن يمارس حقه فى الدفاع فى حرية تامة دون وضع العراقيل أمامه والتأثير على خطة دفاعه، ومباشرة المحكمة لرخصة الحبس الاحتياطى قد يؤثر على خطة دفاع المتهم مابين التمسك بتحقيق أدلة الدعوى أو المرافعة فى الدعوى بحالتها.
محكمة النقض
واختيار المرافعة – بأمر المحكمة - متنازلا عن سماع شاهد أو تحقيق دليل بعينه فلا شك أن ذلك يلغى الحكم الصادر فيها وليس هناك ما يدعوا المحكمة لحبس المتهم عند طلب تحقيق أدلة الدعوى، لأن الأصل حضور المتهم إجراءات المحاكمة حرا طليقا والاستثناء حضوره مقيد الحرية ولا يجوز الافتئات على هذا الأصل إلا لضرورة ملحة وفى حدود مبررات الحبس الاحتياطى كأن يكون بقاء المتهم حرا طليقا من شأنه التأثير على الدليل المراد تحقيقه بطمسه أو خلافه وإلا كان الدفع ببطلان إجراءات المحاكمة والحكم الصادر فيها له ما يبرره، وبالتالى يكون نص المادة 380 إجراءات مقيد بالنصوص التى تكفل حقوق الدفاع – الكلام لـ"الأمير".
4 حالات يحق لقاضى التحقيق فيها حبس المتهم احتياطيًا
ونص قانون الإجراءات الجنائية فى الفصل التاسع منه على الحالات التى يجوز فيها لقاضى التحقيق حبس المتهم، وتقول المادة "134" منه، "يجوز لقاضى التحقيق، بعد استجواب المتهم أو فى حالة هربه، إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة معاقبًا عليها بالحبس لمدة لا تقل عن سنة، والدلائل عليها كافية، أن يصدر أمرًا بحبس المتهم احتياطيًا، وذلك إذا توافرت إحدى الحالات أو الدواعي الآتية:
1-إذا كانت الجريمة فى حالة تلبس، ويجب تنفيذ الحكم فيها فور صدوره.
2-الخشية من هروب المتهم.
3-خشية الإضرار بمصلحة التحقيق سواء بالتأثير على المجني عليه أو الشهود، أو بالعبث في الأدلة أو القرائن المادية، أو بإجراء اتفاقات مع باقي الجناة لتغيير الحقيقة أو طمس معالمها.
4-الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام الذى قد يترتب على جسامة الجريمة.
ومع ذلك يجوز حبس المتهم احتياطيًا، إذا لم يكن له محل إقامة ثابت معروف فى مصر، وكانت الجريمة جناية أو جنحة معاقبًا عليها بالحبس، وأكدت المادة "136" من القانون على أنه يجب على قاضى التحقيق قبل أن يصدر أمرًا بالحبس أن يسمع أقوال النيابة العامة ودفاع المتهم، ويجب أن يشتمل أمر الحبس، على بيان الجريمة المسندة إلى المتهم والعقوبة المقررة لها، والأسباب التي بني عليها الأمر، ويسري حكم هذه المادة على الأوامر التى تصدر بمد الحبس الاحتياطى، وفقًا لأحكام هذا القانون، وللنيابة العامة أن تطلب فى أى وقت حبس المتهم احتياطيًا.