يفترض أن مسلسل "الزعيمان" الليبي هو عمل وطني يتناول الفترة بين عامي 1887 و1923، بالتركيز على دخول الاحتلال الإيطالي إلى ليبيا، وكيف تم التصدي له بالنضال والسلاح والمعارضة والذهاب إلى دول العالم لطرح القضية الليبية، من خلال خطوط عريضة توضح إلى أي مدى تفانى "سليمان الباروني وبشير السعداوي" من أجل تحرير ليبيا، ونيل استقلالها.
ويفترض أيضا أن يكون "الزعيمان" دراما تاريخية ليبية تتناول قصة حياة "الباروني والسعداوي" من خلال سرد درامي مختلف وجديد يعتمد على سرد شخصية "زعيمة الباروني" لأهم الأحداث في تاريخ نضال الزعيمان مع باقي الزعماء الليبيين ممن قاومو الاستعمار الإيطالي، وساهموا في جمع كلمة الناس لتوحيد الصفوف ضد الاستعمار من أجل الحصول على الاستقلال الكامل و توحيد "برقة و طرابلس" تحت راية واحدة.
لكن وقائع الحلقات الـ 18 تلقي بظلال أخرى خبيثة من جانب جماعة "الإخوان الإرهابية"، حيث رصدت ملايين الدولارات لإنتاج عمل تاريخي ضخم، وحشدت لـ 250 ممثل عربي من "ليبيا وتونس والمغرب والجزائر والأردن" في جائحة فنية تستخدم الدراما بشكل متواز مع جائحة كورونا التي تغزو معظم دول العالم، وكعهدها في التزيف وتزوير التاريخ على غرار ما فعل "أردوغان" في في إعادة كتابة التاريخ بفعل درامي رجيم، كما حدث في "قيامة أرطغرل - السلطان عبد الحميد - أنت وطني - العهد - فالنتا مصطفى" وغيرها من أعمال تدس السم في العسل.
وباعتبار أن شخصية المناضل العظيم "عمر المختار" قد رسخت في أذهان العرب كشخصية ليبية قاومت الاستعمار الإيطالي بشراسة وصبر قاده إلى حبل المشنقة ونالت الإعجاب والاحترام، ولقد رسخ المخرج العالمي مصطفى العقاد، بعبقرية في ذهنية المشاهد العربي إحساساً عاليا بقيمته وشخصيته بالشكل الذي ظن البعض معه عدم وجود شخصيات ليبية مماثلين للمختار في القدر، ومشابهين له في المقدار؛ ومن هذه النقطة انطلق المخرج الليبي أسامة رزق للبحث في سِير أبناء وطنه الأقدمين ليتوقف عند شخصيتين يُنظر إليهما على أنهما من أهم الرموز الليبية المؤثرة في تاريخ البلاد.
ولقد بدى لي ولغيرى ممن شاهدوا المسلسل أن المخرج كان صادق في نيته السير على نفس النهج من خلال "الزعيمان"، الذي يتناول قصة حياة كل من سليمان الباروني وبشير السعداوي، في الفترة الممتدة بين سنة 1887 وسنة 1923، وذلك بمحاولة استمالة الجمهور اللليبي أولا والجمهور العربي ثانيا، لكنه وقع في الشرك الإخواني باعتبارهم جهة الإنتاج من خلف الستار، وفشل في تحقيقي مسعاهم في إنتاج مسلسل يمكن أن يروج للدولة العثماني في ظل تنامي دور الدراما العربية الوطنية في مصر"الاختيار"، وسوريا "حارس القدس"، والكويت "محمد على رود"، وذلك باعتبارها الدولة العليا التي كافحت مع الليبيين ضد الاستعمار على عكس التاريخ الحقيقي الذي يشير إلى تسليمهم ليبيا للاحتلال الإيطالي بمساعدة بذرة الشيطان من الإخوان آنذاك.
العمل من إنتاج "وليد اللافي" الذي لعب دورا مهما من خلف ستار الإخوان، وإخراج أسامة رزق، الحاصل على الماجستير في علوم التلفزيون والسينما من جامعة "بيلجي إسطنبول العام 2018"، والذي أكد قبل سنة أن "من ينتج أعمالاً فنية في هذه الفترة فهو يقوم بعمل جبار واستثنائي، في ظروف حرب صعبة جداً ومعقدة على جميع المستويات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية"، وكأنه يشير إلى مبرر منطقي لإقباله على إخراج "الزعيمان"، كما أن المسلسل من تأليف عزة شلبي التي كتبت عدة أفلام أشهرها "أسرار البنات" وكانت تجربتها الأولى في الدراما التاريخية "نابليون والمحروسة"، إخراج شوقي الماجري، هذا بالإضافة إلى مساعدها كاتب غير معروف يدعى "أحمد نبيل" والذي يبلغ من العمر 77 عاما، ومع ذلك لا تعرف له أعمال سوى رواية بعنوان "شوارع ديسمبر".
ولفت نظري أن المنتج "اللافي"، قال في المؤتمر الصحفي الذي عقد للإعلان عن انطلاق مسلسل الزعيمان وحضره كل من رئيس الهيئة العامة للثقافة بحكومة الوفاق الوطني "حسن أونيس"، والقنصل العام الليبي لدى الجمهورية التونسية "فاضل القريو"، والملحق الثقافي بالسفارة الليبية في تونس "إيهاب كرير"، وعدد من الإعلاميين والفنانيين، قوله إن العمل "سيكون ضمن سلسلة عقدنا العزم على إطلاقها للتعريف برموز الجهاد الليبي، مع طريقة كتابة جديدة تختلف عن السرد التاريخي الرتيب"، مشيرا إلى أن "السلسلة" تراعي فلسفة التفاعل التي فرضتها مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث صار لرواد الإنترنت الكلمة العليا في شكل الأعمال ومحتواها، ولم يعودوا يكتفون بدور المتلقي"، وربما كان هذا صحيحا إلى حد كبير ورغم محاولات المخرج الليبي أسامة رزق لتقديم صورة في سِير الأقدمين، إلا أنه كانت هناك حالة عزوف كبيرة من المشاهدين، دفعت صناع المسلسل إلى إرسال رسائل قصيرة على الهواتف المحمولة تحث الليبيين على مشاهدة "الزعيمان" المذاع عبر القناة التي بثت الحلقات.
القناة هى الأخرى حاولت تعويض خسائرها، فرهانها الفاشل على مسلسل روجت له على أنه الأضخم والأفضل لم تؤت أكلها، وباتت عبر شبكة المدار تزعج الليبيين، وتسألهم إلحاحاً لمشاهدته، وهو ما كشف أن رواد تلك المواقع قد فهموا المغزى الحقيقي للدوافع الإخوانية في المسلسل وعزف كثيرون منهم عن متابعة المشاهدة - رغم أنه 18 حلقة فقط - بعد أن لاحظوا دس السم في العسل، فضلا عن أخطاء فادحة كما لاحظ أحد المشاهدين قائلا: نحن الآن في الحلقة التاسعة، والتاريخ بدأ يمد لسانه متعجبا..!، ليس التاريخ فقط سيطوله التحريف، هذه الليلة في الحلقة التاسعة، بل أن الشيخ سليمان الباروني يُحرّف القرآن في الدقيقة 26.18 ، ويقول (وماتنفقون) بدلاً من أن يقول (وماتنفقوا من شيء في سبيل الله يُوف إليكم)، هذا بالإضافة إلى أن هذا المسلسل جاء كمحاولة خبيثة لترسيخ بطولة الدولة العثمانية متناسين أنها كانت توصف بـ "الرجل المريض"، في ظل سقوط دولة الخلافة بسقوط "السلطان عبد الحميد" في تلك الحقبة التاريخية التي شهدت تقطيع أوصالها.
صحيح أن الظرف الراهن الذي تعيشه البلاد - بحسب أسامة رزق - هو الذي دفعهم لاستدعاء شخصيات وطنية كتبت تاريخ ليبيا، وكان لها دور في وحدتها واستقلالها بالروح والدم والعلم، وأن هذا المسلسل فرصة جيدة في ظل الأوضاع السيئة التي تمر بها البلاد من انقسام حاد وحرب أهلية، بالإضافة إلى عدم وجود شخوص بارزة تقود المرحلة رغم إجماع الشارع الليبي على المشير "حفتر" الذي يقود حربا شرسة ضد الجماعة الإرهابية التي تدعمها الإخوان وتركيا وقطر، وصحيح أنه كان ضروريا أن يوضح المنتجون الليبيون للأجيال الحالية أن لديهم شخصيات ضحت من أجل ليبيا، ومن ثم ينبغي الاقتداء بها في تقديم التضحيات.
لكن الرياح عادة تأتي بما لاتشتهي السفن الإخوانية بالتآمر مع تركيا وقطر، والتي تمارس أبشع الجرائم ضد أبناء وأحفاد "عمر المختار" في ليبيا، وضد الشعوب العربية الأخرى في "مصر، سوريا، العراق، اليمن" وغيرها من مواطن التوتر في "تشاد" وغيرها مما أشار لها رئيس إرتيريا "أسياس أفوقي" من قبل بشأن التغلغل التركي في القرن الأفريقي، حيث نبه وقتها قادة وزعماء دول محيطه الإقليمي بمستوى التهديد الذي يتربص بأمنهم جراء تمدد الأتراك الذين وجدوا لهم موطئ قدم في العاصمة الصومالية "مقديشو" وجزيرة "سواكن" السودانية الواقعة على سواحل البحر الأحمر، وأشار إلى أن تركيا وحلفاءها أصبحت لاعباً أصيلاً في الصراع العالمي حول منطقة البحر الأحمر الاستراتيجية، وقد ساعدتها بعض البلدان التي تحكمها جماعة الإخوان في إيجاد موطئ قدم بالمنطقة.
هذه هى الحقيقة الإخوانية التي راحت تستخدم القوى الناعمة في تحقيق مآربها بالترويج إلى الدولة راعية فكرها الإرهابي "تركيا" وذلك عبر دراما "الزعيمان" بالعودة إلى التاريخ النضالي الليبي وتزيفه تزيفا متعمدا، لاسيما وأن "قرضاوي ليبيا" علي الصلابي الذي وضع هو وشقيقه إسماعيل على قوائم الإرهاب في كل من السعودية وليبيا والإمارات ومصر والبحرين يقف وراء هذا المسلسل، وبحكم انتمائه إلى تيار سياسي هو الإخوان الإرهابيين، فإنه سعى للقيام بأدوار سياسية في ليبيا، منها اتخاذه في البداية موقف المعارض لنظام القذافي ثم تقاربه مع النظام عبر علاقته بسيف الإسلام القذافي، والتي توطدت خلال الفترة الأخيرة من فترة حكم القذافي، ومع بداية الاحتجاجات ضد حكم القذافي مطلع عام 2011 أعلن "الصلابي" تخليه التام عن سيف الإسلام، وفي وقت لاحق من المواجهات العسكرية بين ثوار 17 فبراير وقوات القذافي استأنف الصلابي اتصالاته مع نظام القذافي من خلاله لقاءاته مع رئيس مخابرات ليبيا في نظام القذافي "أبو زيد دوردة."
إذا دائرة الشبهات تشير إلى محاولة الإخوان في جائحة فنية جديدة ترسيخ دعائمها على جناح التزييف كما فعلت في مسلسل "الزعيمان"، فيحسب للعمل استخدم اللغة العربية المبسطة مع بعض مفردات اللهجة الليبية، لضمان وصول العمل لكل المتفرجين في العالم العربي، والحقيقة أنه عند مشاهدة حلقات المسلسل تشعر بفخامة الايقاع ورشد الصورة واحترافيتها وانسيابية البناء الدرامي، وذكاء كتابه في طرح الموضوعة التاريخية بحرفية عالية، نصياً دون رتابة أو ملل أو خلط ما بين حس الدراما وجلدة الوثيقة، بل تشاهد عملا دراميا تمت كتابته بعناية فائقة حسب الظاهر، وجسد أدواره الممثلون بوعي تام لهذه الشخصيات، وتم اخراجه بشكل يليق بعين المتفرج العربي، الذي لا يتسمر أمام أي شاشة، ما لم يكن منتجها احترافيا، يحترم عقله وفكره ويتعامل معه بذكاء، ويبقى في الباطن موطن الشرر الإخواني الرجيم في التزيف على جناح صناعة دراما فائقة الجودة.
وأخيرا أتساءل عن المؤرخ الليبيي علي مصطفى المصراتي الذي يطلق عليه "عقاد ليبيا" - 94 عاما - لأسأله عن هذا الزيف الدرامي بشكل متعمد للتاريخ النضالي الليبي، فقد قالت حفيدة الباروني في معرض تعليقها على المسلسل: "ما رأيته من تسطيح في إظهار سيرة جدي وأسرتنا هو ما دفعني للكتابة، فما كانوا هكذا يوماً: سليمان الباروني: ما كان عبوسا، سوداويا، كئيبا، يائسا، منزوع الكاريزما، بل على النقيض من ذلك تماما، ما كان ذلك الجبان التائه الباكي كالأطفال في ساحة المعركة مطوحا بشعره كأنور وجدي - كما أظهره العمل في معركة جندوبة منطروس - جدي عبد الله الباروني: لم يكن كما ظهر في المسلسل، بل كان عالما وزاهدا في الدنيا، قليل الأكل الصوف ملبسه.
ولدى تسأول آخر للمصراتي: هل بشير السعداوي دمه ثقيل كما ظهر في الزعيمان ؟!، وهل حقا دافع عن الخلافة العثمانية في قوله (عندما تسقط الخلافة الاسلامية سيكتب التاريخ أنها سقطت على أيدي مجموعة من الحمقى)، وكيف يتم توظيف دورالمناضل المصري الكبير "عبد الرحمن عزام" على هذا النحو المبتور في ثنايا الحلقات؟، ظني أننا شهدنا أكبر عملية تزييف في التاريخ الليبي الحديث، ولكن أساتذة التاريخ في الجامعات الليبية العريقة هم من يجب أن يتصدوا لأى مغالطة تاريخية تضر الأجيال، وأن دورهم لايقل عن دور الجيش الأبيض في مواجهة كورونا.. تحية لأساتذة التاريخ القادرون دون غيرهم على فرز أبطال التاريخ الذين يضحون من أجل قضايا وطنية، لا أولئك الأبطال الوهميين الذين يضحون من أجل مصالحهم الخاصة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة