قدر مصر أن تكون قائدة ورائدة فى منطقة ملتهبة تموج بصراعات داخلية ومؤامرات تستهدف دولها بغرض تقسيمها طمعاً فى ثرواتها ومقدرات شعوبها، علماً بأن تلك المؤامرات تحاك من خارجها وتنفذها بعض الدول الخائنة من داخلها وبأيدٍ آثمة من بعض أبنائها الخونة.
مقومات القوة والتأثير معقدة، ولكل زمان رجاله، فى الماضى كانت معايير القوة الشاملة المادية من قوة عسكرية وسياسية واقتصادية تبدو للبعض وكأنها الأقوى والأكثر تأثيراً، وذلك حتى جاء «جوزيف ناى» ليحدثنا عن القوة الناعمة الأمريكية، وكأنه اكتشاف جديد، مع أن قوة مصر الناعمة هى التى لفتت الأنظار وهى محتلة من الإغريق والرومان، تصيغ عقولهم مرة بالفلسفة والعلوم مع الإغريق، ومرة ثانية بالمسيحية فى الدولة الرومانية، بعبارة أخرى كانت القوة الناعمة عنصراً رئيسياً وحاسماً فى كل تاريخ البشرية.
فقدت المنطقة توازنها وبوصلتها واتجاهها الصحيح عندما تخلت مصر طوعاً أو كرهاً عن دورها فى قيادة المنطقة العربية والقارة الأفريقية، وفقدت ريادتها فى منطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط عندما تقوقعت داخل نفسها ورضيت أن تترك بعضاً من دورها لدول أخرى ليست كفئا لهذه المهمة، بل كانت أحد أهم أسباب سقوط المنطقة فى بحر الصراعات، فالأدوار كالبشر والكائنات الحية تعرف دورات صعود وهبوط، ازدهار وانتكاس، وهذا الصعود والهبوط يحدث طوال الوقت، وفى أقصى مراحل ازدهار قوة الدول وحتى الإمبراطوريات على مدى التاريخ.
نحن هنا أمام دولة فتية.. عفية لا يستطيع أحد خطف أو نزع لقمتها من يدها، فالآن بعد أن مرت 6 سنوات من حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى قضت خلالها على الكثير من عوامل ترهلها وبدأت فى تثبيت استقرارها وخوضها عدة حروب كان أصغرها القضاء على الإرهاب وأعظمها بناء دولة جديدة بمفاهيم حديثة، فضلا عن تحديث جيش قوى يحمى مقدرات وثروات هذا الشعب العظيم.
وبعد أن استقل القرار المصرى وأصبح يحسب العالم حسابها وأصبح رئيسها يحظى بشعبية جارفة داخل بلده من شعب يعشقه ويتحمل من أجله ما لا يتحمله من أى رئيس غيره.
من هنا اتضح للعالم صدق السياسة المصرية وتعاملها بشرف فى زمن عز فيه الشرف، تعاملت القاهرة بسياسة واضحة منذ البداية اتسمت بالحفاظ على المؤسسات الوطنية داخل الدول ومحاولة الإبقاء على حدود الدول وعدم المساس بالجيوش داخل الدول لأنه لو انهارت مؤسسات الدولة انهارت الدولة وتفتت، وهو عكس ما تسعى إليه القاهرة ورئيسها من الإبقاء على الدول ومؤسساتها وحدودها والاحتكام للحلول السياسية وعدم التدخل فى شئون الدول الداخلية.
ومن هنا جاء «إعلان القاهرة» بعد سنوات من عدم توقف جهود العالم لإنهاء المأساة الإنسانية ووقف نزيف الدم فى ليبيا الذى ولد من رحم هذه السياسة الشريفة لمصر وللرئيس السيسى، وهذا الإعلان مهّد الطريق مرة أخرى وربما أخيرة أمام خلق واقع جديد لينهى به الانقسام والحرب الضروس، ويلجم العبث التركى بالمقدرات الليبية، ويكتب أيضاً فصول النهاية لانتشار الميليشيات والمتطرفين بنزع سلاحهم تمهيداً لإرساء دعائم الأمن والاستقرار الغائبين، وانخراط كل الأطراف فى جهود دبلوماسية تثمر تشكيل مجلس رئاسى جديد يمثل الأقاليم الليبية الثلاثة، والعمل على استعادة الدولة الليبية لمؤسساتها الوطنية.
«إعلان القاهرة» يعيد الأمور إلى نصابها ويحافظ على مقدرات الشعب الليبى، فى مواجهة العدوان التركى الذى يريد تكرار مطامعه فى سوريا لنهب ثروات الليبيين، وتبعات التدخل الخارجى على الأمن القومى المصرى، الإعلان تمتع بالمصداقية بعد تراخى دول العالم فى تقديم الحلول، جاء الإعلان ليؤكد أن مصر هى التى ترعى القضايا العربية والأفريقية وأن الأزمة الليبية بمثابة قضية إقليمية، وخاصة أنه كلما زادت الحرب الأهلية فى ليبيا ستكون هذه الظروف بمثابة بيئة خصبة للتنظيمات الإرهابية فى توسيع دوائر تخريبهم لتمتد لدول شمال إفريقيا .
تركيا على مدار العقدين الأخيرين تريد إزاحة القاهرة من القيادة، ولا أنكر أنها حصلت على ما تستحق فى السنوات السابقة لثورة 30 يونيو، تلك الثورة التى أعادتها لحجمها ودورها الطبيعى فى المنطقة، لذلك لا يروق لها اضطلاع الجيش الوطنى بمسؤولياته فى إعادة الأمن، لأنها تعتمد على سياسة تفتيت الدول والقضاء على مؤسساتها تمهيداً للسيطرة على تلك الدول، مثلما فعلت فى ليبيا واتباعها استراتيجية ترسيخ سيطرة الميليشيات على طرابلس واحتلال مناطق أخرى من البلاد، تتيح له تنفيذ أجندتها التوسعية، تحاول تركيا جاهدة كسب الوقت وخلط الأوراق وهو الأمر الذى بات مكشوفاً للجميع.
لهذا لا ترى تركيا فى إعلان القاهرة سوى وقف مخططاتها من مطامع هيمنة وسيطرة واحتلال فى ليبيا، الأمر الذى عبّرت عنه من خلال رفضها المبادرة المصرية التى ستعيدها إلى نقطة الصفر، بل وتجبرها على إخراج متطرفيها وسلاحها وبالتالى نفوذها إلى غير رجعة.
بعدما لقيت المبادرة المصرية التى أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسى لحل الأزمة الليبية تجاوباً دولياً كبيراً، وفور صدور «إعلان القاهرة» فقد الإرهابيون أعصابهم وأصابتهم حالة من الجنون وعدم الاتزان وبدأت الميليشيات تتقاتل فيما بينها على ما نهبوه من المدن التى خرج منها الجيش الليبى فى الغرب.
الإجماع الدولى المؤيد للقاهرة وإعلانها من الدول الكبرى مثل أمريكا وروسيا والاتحاد الأوروبى لم يأت من فراغ أو بالمصادفة، فالقاهرة أصبحت تمثل صوت العقل فى المنطقة والشرق الأوسط وشرق المتوسط، ولن أكون مبالغاً لو قلت إنها صوت العقل والحكمة فى العالم
الآن تقول مصر كلمتها فيتبعها العالم، وإعلان القاهرة خير دليل، فقد جاء التأييد الدولى لإعلان القاهرة ليؤكد للعالم بما لا يدع مجالا للشك عودة القاهرة لدورها التاريخى لقيادة المنطقة بل وتأكيدا على نجاح سياستها الخارجية وثقة العالم فى رئيسها الذى استطاع أن يقول كلمته ووجهة نظرة وبعد سنوات ثبت صوابها للعالم فأتبعه.
أيها العالم عندما تكون فى حضرة مصر ورئيسها عليك أن تسمع وأنت متأكد من صدقها وأنها صوت العقل والنجاة.