ما فعله فيروس كورونا فى العالم جعلنا نتقبل مصطلحات جديدة مثل "أدب البيت" وهو الأدب الذى يتناول حياة الكاتب داخل البيت، لكن من أوائل الذين استعملوا هذا المعنى وركزوا عليه فى نصوصهم المنشورة فى شكل يوميات ومذكرات وسيرة ذاتية فى موقع التواصل الاجتماعى، ثم تحولت إلى كتب منشورة يأتى الكاتب الجزائرى عبد الرزاق بوكبة.
عبد الرزاق بوكبة
فبعد كتابه "يدان لثلاث بنات" الصادر عن دار "الجزائر تقرأ" عام 2017، وفيه نقف على حكايات وطرائف أربعة مواسم من شهر رمضان، بين الأب وبناته، ها هو يصدر كتابا جديدا عن دار "خطوط" الأردنية، فى إطار "أدب البيت" حمل عنوان "مسافر فى البيت"، كناية عن خضوعه للحجر المنزلى الذى فرضه فيروس كورونا على الكوكب كله، فواجه تلك الحالة بالكتابة عنها ورصد الحالات النفسية والذهنية والسلوكية والفكرية المترتبة عنها، لهذا كان لنا هذا الحوار معه.
ــ ما الفرق بين مصداقية الكتابة السردية ومصدقية أدب البيت من وجهة نظرك؟
إن مصداقية الكتابة السردية عموما تقوم على التخيل واختراع أحداث وشخوص تعطى الانطباع للمتلقى بكونها حقيقية، بينما تقوم مصداقية أدب البيت على أحداث وشخوص حقيقيين هم شركاؤنا فى البيت، من أم وزوجة وأولاد وبنات وجيران، بما يعطى انطباعا للمتلقى بأنها من نسج الخيال، ذلك أن المشهد العربى اجتماعيا لم يتعود على فتح نوافذ وأبواب البيت لمن هم خارجه، ويعتبر ذلك منقصة ومدعاة لخدش هيبة البيت وشرفه، يسأل: كم من مثقف وكاتب وفنان عربى ينشر صورا مع زوجته، مثلا، بمن فيهم أولئك المعروفون بخطابهم الحداثى؟
بوكبة
ــ لهذا قررت تحويل حياتك الشخصية إلى أعمالك الأدبية؟
نعم قرّرت أن أضم حياتى الشخصية وعلاقتى بشركائى فيه، خاصة بناتى، إلى الحقول التى أشتغل عليها أدبيا، فما معنى أن نكتب عن أشخاص بعيدين عنا وشخوص متخيلين أصلا، ولا نكتب عن أشخاص لصيقين بنا مكانا وزمانا وعاطفة؟
ــ هل تعمقت علاقتك بالبيت أكثر فى ظل الحجر المنزلى فى زمن كورونا؟
ــ بالفعل إذ أعدت اكتشافه من جديد، كما أعدت ترتيب أولوياتى وطرقى فى التعامل معه ومع من فيه، ففى السابق كان البيت يشكل للإنسان مرقدا، فيما يمارس الحياة خارجه، فصار يشكل له مهربا من الموت وموطنا للحياة كلها، ولم يعد أفراده شركاءنا فى المنبع فقط، بل فى المصير أيضا.
ــ هل سمح لك الحجر المنزلى بالاقتراب من أفراد عائلتك؟
سمح لى أن أقترب من بناتى أكثر، وأكتشف مواطن جديدة لمواهبهن وقدراتهن وميولاتهن، فأثمنها وأبنى عليها برنامجا تربويا وسلوكيا إضافيا، فى مقابل اكتشافى لنقائص واختلالات واهتزازات، فأرصدها وأرصد لها ما أسميه "واقيا للصدمات" حتى يتخلصن منها ويسرن إلى شخصية متوازنة وطموحة وواثقة. وقد أحببت أن أنقل هذه التجارب الإنسانية والتربوية للآخرين حتى يستفيدوا منها".
ــ هل ترى أن الإحساس بالخوف من الموت فى زمن كورونا ساعد على خلق تربة خصبة للكتابة؟
إن المشاعر الإنسانية التى ترتبت عن الإحساس بالموت والخوف منه فى زمن جائحة كورونا تشكل تربة خصبة للكتابة الأدبية، شريطة أن يكون الأمر مرفوقا بوعى حاد بفعل الكتابة وطبيعة النفس البشرية، حتى يتم داخل مقام الحفر، فيأخذ النص شرعية العمق والتعميق، لا مقام التمسيد على التراب، حيث لا يعدو أن يكون مجرد فقاعة مؤقتة فى الزمن والتأثير".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة