التفاعل الذي حققته تجربة المسجد الافتراضي في ألمانيا، تستحق التوقف عندها تقييما لأدائها والقضايا التي يعالجها وأثر ذلك في تجديد وإصلاح الخطاب الديني من جهة، والتفاعل بين الداعية والجمهور من جهة أخرى.
جاءت فكرة المسجد الافتراضي كمبادرة من البروفيسور مهند خورشيد عميد المعهد العالي للدراسات الإسلامية والتربية الدينية بجامعة مونستر، في صورة حلقات أسبوعية دورية على موقع يوتيوب كل جمعة، يناقش من خلالها كل مرة قضية جدلية تمثل إشكالية لدى الجاليات المسلمة في أوروبا.
لقد فرضت أزمة كورونا على الجاليات المسلمة بأوروبا، وإغلاق المساجد والمراكز الإسلامية، والتجمعات في الندوات، البحث عن بدائل أخرى لتلقي الدروس الدينية من منابعها الصحيحة بعيدا عن شبكة الانترنت التي تملأ بعدد من الدعاة الغير مؤهلين علميا ودينيا أو الأصوليين والمتعصبين، فكانت مبادرة المسجد الافتراضي، بمثابة علاج لهذا القصور وتلبية لاحتياجات الجاليات هناك.
ناقش البروفيسور خورشيد على مدار أحد عشر حلقة من المسجد الافتراضي قضايا جدلية ومنها: هل يدعو الله الناس باستخدام وسائل العنف والتهديد؟، هل يسمح القران بالعنف ضد النساء؟ مسالة قراءة. ولماذا توجد الآيات في القرآن التي تتحدث عن القتال؟ وكيف يمكننا الاتفاق على خطاب العنف مع خطاب الرحمة في القرآن؟، بالإضافة إلى الحديث عن رمضان شهر القرآن، والصيام في أوقات كورونا وقضايا أخرى.
رغم أن بداية إطلاق تجربة المسجد الافتراضي في 20 مارس الماضي، وهي تجربة قصيرة إلا أن التفاعل الذي حققته بين المجتمع المسلم في ألمانيا، الذي تعود من قبل على التلقي والانفعال في خطبة الجمعة مع الإمام، الذي يحضر خطبة جاهزة دعوية أو سياسية، لا تتضمن مناقشة المستجدات الفقهية والقضايا التي تثير الجدل في أوروبا وتشوه صورة الإسلام والمسلمين.
عن أزمة المسلمين عموما وأزمة تلك الجاليات خصوصا، أنها تعتقد أن أي تحديث في الإسلام الموروث أو تجديد للخطاب الديني، إنما هو نوع من الابتعاد عن الإسلام نفسه وهذا غير صحيح، لقد تخلفنا كعرب وكمسلمين عن ركاب الغرب، رغم أن أوروبا نفسها استفادة من فلاسفة وعلماء المسلمين كابن رشد وابن سينا وابن الهيثم والفارابي والكندي وغيرهم، لأننا مازلنا نتوقف عند قضايا صغيرة وننسى القضايا الأكثر أهمية، والتي تمثل محور الحوار الذي يؤدى إلى التعايش والاندماج في تلك المجتمعات.