"شوية هموم بتوع كل يوم يلفوا فى راسي..أفر يطولونى ولما يطولونى أقلع مداسي وألعن دماغى اللى نايم وناسى"..
"بقالنا كتير مشفناش بعض .. مسلمناش على بعض.. ولا سهرناش مع بعض"..
"تعدى عليا الليالى تقولى.. بتضحك يا طيب ؟ طيب يدوووم"..
لم أجد أفضل من هذه الكلمات التى تغنى بها الملحن والمطرب وجيه عزيز والمطربة إيمان يونس فى "ديتو" خاص، لتعبر عن وضعنا الحالى، فإذا أخذت جولة فى الشوارع ونظرت إلى وجوه الناس تجد أن الضحكة اختفت واحتل مكانها الحزن والهموم والقلق والتوتر، فأصبح لا حديث سوى عن "فيروس كورونا" الذي سيطر على جميع الأجواء والمجالات المحيطة بنا، حيث إنه احتل الطرقات وسكن البيوت والكل يشعر أنه محاصر وقليل الحيلة أمام خطر يهدد حياته ومستقبله وحتى التواصل مع أقاربه وأصدقائه.
فى الشارع أصبحت الوشوش غائب عنها حتى الابتسامة بسبب أخبار جائحة كورونا من الداخل والخارج، حيث إن مواقع التواصل الاجتماعى يحتلها الآن أحاديث وفاة فلان وإصابة علان، فقد أصبحنا وكأننا نشاهد فيلم رعب من إنتاج هوليود بعد أن أجبر الفيروس أكثر من مليار إنسان على ملازمة بيوتهم، وتحولت العديد من الأماكن إلى مدن أشباح.
فى الشارع الذي بات خاليًا بالغ الهدوء خلال أوقات الحظر، يشتم الناس رائحة الموت من كل مكان، مما قد يدفع إلى الجنون بسبب الخوف الزائد وما يصاحبه من شائعات كبيرة منتشرة على ساحات السوشيال ميديا، مع التحذيرات اليومية من منظمة الصحة العالمية والتنبيه المتزايد للحد من الانتشار السريع لهذا الفيروس، حيث إنه مع هذا الحال دون معرفة موعد محدد لعودة الحياة إلى ما كانت عليه قبل "كورونا"، تزداد الضغوطات، ويعاني الكثيرون من عدم القدرة على التكيُّف مع الظروف الراهنة، خصوصاً أن الكثير منا لا يستطيع التعايش مع فكرة "التباعد الاجتماعى"، الذى يراه المتخصصين في مجال الصحة أمرًا بالغ الأهمية في هذه الفترة الحرجة للقضاء نسبيًا على انتشار الفيروس.
المشكلة هنا فى فكرة الحرمان من الأمور التي يحبها الأفراد مثل عدم القدرة على التواصل مع الأصدقاء واستعادة "جلسات الأنس"-كما يقولون-، أو عدم القدرة على الذهاب إلى المساجد والكنائس، أو عدم القدرة على زيارة الأهل، وغيرها من الأمور الأخرى فى هذا القبيل.
بكل تأكيد أن التباعد الاجتماعى بات حتميًّا في مواجهة كورونا، لكن ذلك سيترتب عليه العديد من الآثار النفسية والاجتماعية، ومن هنا يجب أن نسعى لكيفية التعامل الإيجابى معه وتجنُّب آثاره السلبية لأن الهدوء النفسى له عامل مهم جدًا فى التعامل مع الأجواء المحيطة بعد توغل هذا الفيروس داخل مجتمعنا الصغير.
علم الاجتماع هنا يقول: "ابحث دائمًا أن تكون أنت الفعل وليس رد الفعل"، وكان هذا ملخص لتقرير منشور على العديد من المواقع الإخبارية حول ندوة عقدت فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة للحديث في هذا الشأن، حيث قال المشاركون : "عندما يكون هناك أزمة بهذا الحجم، لا بد من تقييم علمي لها.. ويجب أن نسأل أنفسنا: ما هو أكثر شىء يؤثر بنا؟ ونحدد نوع المشاعر التي نشعر بها، هل هى خوف؟ ممَّ نخاف؟ لا بد أن يفهم الإنسان طبيعة ردة فعله وطبيعة الإحساس الذى يشعر به".
كما شددوا على ضرورة معرفة أن هناك أشياء لا يمكن للإنسان أن يتحكم بها، مثل توقع ما سيحدث غدًا، مثل التحكم فى أسلوب أو انتقاء الأخبار التى نستمع إليها.
وطرح المشاركون عدة أسئلة هنا أيضًا، ومنها:
-هل من دور حقيقى لأنماط التواصل الإلكترونى التى تجتاح كل مكان فى العالم الآن فى هذه المعركة غير المتكافئة؟
-هل يمكن للتكنولوجيا تعويض بعض سلبيات التباعد الاجتماعى؟
- هل يمكن أن تساعد تطبيقات الرسائل النصية والبريد الإلكترونى والحوارات والاجتماعات الافتراضية بين الأصدقاء أو زملاء العمل على البقاء فى حالة اتصال مع المجتمع المحيط بنا؟
طبعاً هذه الأسئلة تعتبر بمثابة "روشتة" للتغلب على التوتر والقلق المصاحب للناس بسبب هذا الفيروس الغامض، فأعتقد أن البحث عن عودة الضحك والابتسامة والبعد بقدر الإمكان عن الأخبار السيئة، بالإضافة إلى الاهتمام بتنفيذ الإجراءات الاحترازية وفقاً لبروتوكول الصحة، من العوامل المهمة جداً للحفاظ على الحالة النفسية، حيث إن البحث عن الابتسامة أمر هام هنا، بحسب العديد من الدراسات العلمية التى أشارت إلى وجود فوائد كثيرة من الضحك في الحياة الاجتماعية منها : مقاومة الاكتئاب وتقوية التعاون الاجتماعي وتنشيط العقل والمساعدة على الإبداع والخيال والتفاعل والتواصل مع الناس والتقرب إليهم وكسبهم في العمل العام، كما تؤكد الدراسات أن الضحك والابتسام والنكتة والكاريكاتير يمكن لها أن تعدل المزاج، ومشاهدة البرامج المضحكة والأفلام الكوميدية مفيدة للصحة النفسية والجسدية.
كان أجدادنا هنا لهم الأسبقية في هذا الاكتشاف، عندما ظهر مصطلح "علم نفس الضحك" فى بداية القرن العشرين، حيث رأى الأطباء خلال تلك الحقية أن الضحك والفرح لهما مفعول السحر فى إزالة شوائب التسمم المعنوى والجسدى بعد المساعدة على التخلص من نوبات الاكتئاب الناتجة عن الأخبار غير السارة أو التوتر بسبب شىء ما.
إذن الحل هنا يكمن فى البحث عن الضحكة للتغلب على الأيام الصعبة التى نعيشها حاليًا، فاضحك الصورة تطلع حلوة، مثلما كان يقول الفنان الكبير الراحل أحمد زكى فى فيلمه الشهير، أو مثلما غنى فى فيلم "هيستيريا" :"إن مقدرتش تضحك.. متدمعش ولا تبكيش".. "ربنا يرفع عنا الوباء والبلاء ويحفظ مصر وأهلها".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة