نواصل قراءة ما يقوله التراث مع سيدنا سليمان، عليه السلام، الذى وهبه الله سبحانه وتعالى الكثير من النعم، لكن ماذا عن محبته للخيل هل ألهاه ذلك عن ذكر الله فاضطر لذبحها؟
يقول كتاب البداية والنهاية فى هذه القصة
يذكر تعالى أنه وهب لداود سليمان عليهما السلام، ثم أثنى الله عليه تعالى فقال: "نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ" أى: رجاع مطيع لله، ثم ذكر تعالى ما كان من أمره فى الخيل الصافنات، وهى التى تقف على ثلاث، وطرف حافر الرابعة، الجياد: وهى المضمرة السراع.
"فَقَالَ إِنِّى أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّى حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ" يعنى: الشمس، وقيل: الخيل على ما سنذكره من القولين.
"رُدُّوهَا عَلَى فَطَفِقَ مَسْحا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ" قيل: مسح عراقيبها وأعناقها بالسيوف، وقيل: مسح عنها العرق، لما أجراها وسابق بينها وبين يديه على القول الآخر.
والذى عليه أكثر السلف الأول، فقالوا: اشتغل بعرض تلك الخيول حتى خرج وقت العصر وغربت الشمس، روى هذا عن على بن أبى طالب وغيره، والذى يقطع به أنه لم يترك الصلاة عمدا من غير عذر، اللهم إلا أن يقال: إنه كان سائغا فى شريعتهم فأخر الصلاة لأجل أسباب الجهاد وعرض الخيل من ذلك.
وقد ادعى طائفة من العلماء فى تأخير النبى ﷺ صلاة العصر يوم الخندق، أن هذا كان مشروعا إذ ذاك، حتى نسخ بصلاة الخوف، قاله الشافعى وغيره.
وقال مكحول، والأوزاعى: بل هو حكم محكم إلى اليوم أنه يجوز تأخيرها بعذر القتال الشديد، كما ذكرنا تقرير ذلك فى سورة النساء عند صلاة الخوف.
وقال آخرون: بل كان تأخير النبى ﷺ صلاة العصر يوم الخندق نسيانا، وعلى هذا فيحمل فعل سليمان عليه السلام على هذا، والله أعلم.
وأما من قال: الضمير فى قوله حتى توارت بالحجاب، عائد على الخيل، وأنه لم تفته وقت صلاة، وإن المراد بقوله: "رُدُّوهَا عَلَى فَطَفِقَ مَسْحا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ".
يعنى: مسح العرق عن عراقيبها وأعناقها، فهذا القول اختاره ابن جرير، ورواه الوالبى، عن ابن عباس فى مسح العرق.
ووجه هذا القول ابن جرير بأنه ما كان ليعذب الحيوان بالعرقبة، ويهلك مالا بلا سبب ولا ذنب لها، وهذا الذى قاله فيه نظر، لأنه قد يكون هذا سائغا فى ملتهم، وقد ذهب بعض علمائنا إلى أنه إذا خاف المسلمون أن يظفر الكفار على شىء من الحيوانات من أغنام ونحوها، جاز ذبحها وإهلاكها، لئلا يتقووا بها، وعليه حمل صنيع جعفر بن أبى طالب يوم عقر فرسه بموته.
وقد قيل إنها كانت خيلا عظيمة، قيل: كانت عشرة آلاف فرس، وقيل: عشرين ألف فرس، وقيل: كان فيها عشرون فرسا من ذوات الأجنحة.
وقد روى أبو داود فى سننه: حدثنا محمد بن عوف، حدثنا سعيد بن أبى مريم، أنبأنا يحيى بن أيوب، حدثنى عمارة بن عزية أن محمد بن إبراهيم حدثه، عن محمد بن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة قالت: قدم رسول الله ﷺ من غزوة تبوك أو خيبر، وفى سهوتها ستر، فهبت الريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة تلعب، فقال: "ما هذا يا عائشة؟". فقالت: بناتى، ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع. فقال: "ما هذا الذى أرى وسطهن؟". قالت: فرس. قال: "وما الذى عليه هذا؟". قالت: جناحان. قال: "فرس له جناحان؟". قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة. قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه ﷺ.