عندما تعلن مصر دفاعها عن أمنها القومى فهى تعى حجم التحديات التى تواجهها، وتحدد أولويات التحرك والتعامل مع الملفات القائمة بشكل دقيق، بناء على معلومات، وليس مجرد رد فعل على كلام ينطلق من قناة الجزيرة وقنوات الدعاية القطرية التركية فى الدوحة وإسطنبول، وربما يمكن رؤية تأثير التحركات المصرية فى حالة الهيستيريا التى انتابت قنوات المتتركين، ومؤيدى الغزو التركى، ومن صفقوا للخراب التركى فى سوريا وينتظرون تكراره فى ليبيا.
أى مواطن طبيعى سوف يرى كيف مسخ أعضاء الإخوان وتوابعهم من المؤلفة جيوبهم أنفسهم وتحولوا إلى أراجوزات بائسة ترقص على شاشات الجزيرة وتوابعها يهاجمون مصر بأى كلام ويؤيدون عدوانا تركيا لم ينتج عنه سوى خراب وحروب أهلية وسرقة ثروات.
قناة الجزيرة تطرح أسئلة من نوعية لماذا توجه مصر تحذيراتها إلى ليبيا وتترك سد النهضة، والسؤال نفسه يكشف عن صدمة لدى قنوات قطر وتركيا، لأنهم كانوا يتوقعون أن يتم ترتيب الموضوعات حسب تحركات الأعداء، لكن القاهرة تفاجئهم بالعمل حسب ترتيب الملفات مع انتباه واضح لارتباط التحركات ببعضها.
تصور أردوغان وقطر أن التصريحات الإثيوبية المستفزة، يمكن أن تثير رد فعل من مصر يصرفها عن التحركات التركية تجاه ليبيا، ومحاولة الدفع بأكبر عدد من المرتزقة لتكرار التجربة السورية، وهنا كان الموقف المصرى واضحا، نحن نراكم ونعرف أولويات القضايا، ولن نسمح بأن تتحول ليبيا إلى مركز جديد للمرتزقة والميليشيات الإرهابية لتهديد أمن مصر، ومصر لا تتحرك كرد فعل، ولا تنجرف الى فخاخ تافهة ولا تتحرك وفق أجندات أعدائها.
لقد نجحت مصر خلال سنوات فى سحق أغلب البؤر الإرهابية، وتراجعت العمليات الإرهابية بشكل كبير فى شمال سيناء، كما فى الداخل، وتم تصفية بؤر إرهابية والتقاط هشام عشماوى وغيره، وكثير من العمليات الوقائية التى نجحت فيها الأجهزة المصرية وهى انتصارات على من وراء التنظيمات الإرهابية، كانت المساعى الجديدة هى إعادة إشعال نقاط فى ليبيا، فى وقت توقعوا أن تنشغل مصر بالتصريحات الإثيوبية، وتتفرغ لردود أفعال أو تصريحات يمكن توظيفها من قبل إثيوبيا، لكن هذا لم يحدث وظلت مصر «فعل وليس رد فعل»، ولهذا حاولت قناة الجزيرة الإيحاء بأن مصر تترك السد وتتجه إلى ليبيا، وهم يعرفون أن مصر لا تترك نقطة من أجل أخرى. وهنا كانت التصريحات المصرية واضحة وعندما تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى عن الخطوط الحمراء كانت الرسائل إلى رعاة الإرهاب، وكان رد الفعل من الذيول.
مصر لا تهمل أيا من الملفات، وتتحرك فى كل ملف بما يستحقه، ولا تتحول إلى رد فعل، ولا تذهب إلى حيث يريد لها أعداؤها، ومن هنا كان التحرك المصرى فى موضوع سد النهضة ومجلس الأمن متزامنا مع التوجه إلى تحركات على الساحة الليبية.
إذا تجاوزنا الخطاب الغوغائى والادعاءات والتحليلات من قناة الجزيرة وتوابعها يمكن أن نكتشف حجم الصدمة من الانتباه المصرى إلى التحركات الجارية، ومحاولة ترديد كلام فارغ من نوعية التورط فى الحرب، أو المستنقع، وهم يعلمون أن مصر لم تتوقف عن الحرب فى كل الجبهات طوال 7 سنوات، ومع هذا لا تدفع نحو الحرب بل تسعى لوقف تدفق المرتزقة إلى ليبيا أو تقسيمها رغما عن إرادة الليبيين، أو تتحول إلى مراكز جديدة للإرهاب ضد مصر ودول الجوار. وهذه التفاصيل هى التى يفترض أن يكون المواطن المصرى على علم بها، بعيدا عن حملات الغل فى الجزيرة وتوابعها فى إسطنبول، فهؤلاء فى خدمة من يدفع لهم ويؤويهم، وسوف يدفعون الثمن مثل غيرهم ممن ساندوا الغزو فى سوريا وغيرها، وهم أنفسهم من كانوا يشككون فى سعى مصر للتسلح وتحديث جيشها، وهو تحديث قادر على تحقيق الردع، وليس للتهديد والابتزاز والغزو على الطريقة الأردوغانية.