محمد ثروت

لماذا غاب مفهوم المواطنة في الفقه السياسي الإسلامي؟

الأحد، 28 يونيو 2020 04:41 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لم تعرف معاجمنا العربية وقواميس اللغة تعريفا لكلمة "المواطنة" يتفق مع مفهومها الغربي، وكل ما يدور في هذه المادة هو السكن والدار، وإذا كان هذا المفهوم غاب عن ثقافتنا، فقد غاب مصطلح آخر يرتبط به وهو الجماهير في الفقه السياسي الإسلامي، وحل محله "الأمة"، باعتبار أن الإسلام هو الجنسية وليس المواطنة كحق أصيل لكل مواطن في دولة الإسلام. 

ويكشف كتاب "ميثولوجيا المواطنة: استعارات الهوية في الخطاب السياسي" للمفكر الدكتور سامي عبد العال أستاذ الفلسفة، عن أزمة حقيقية في التأصيل والممارسة لمفهوم المواطنة، بشكل متدن في تراثنا العربي والإسلامي، كما لم يرد هذا المفهوم في الفقه السياسي الإسلامي. فيشير الفيروزآبادي إلى الوطن كمنزل للإقامة، وبوصفه مربطا للبقر والغنم. أو بتعبير الزمخشري" الإبل تحن إلى أوطانها" أي أماكن إقامتها. كما تدور معظم أدبيات المواطنة حول الراعي والرعية، وهو معنى متدن يشير إلى دخول المواطنين في حظيرة الدولة. وكذلك ورد مفهوم المواطنة بمعنى الحشد والموافقة في الانتخابات، حيث يضيع صوت المواطن مع الأغلبية، كما ورد في معجم "أساس البلاغة" واطنت فلانا على الأمر، أي وافقته".

يقدم الدكتور سامي عبد العال نقدا عنيفا لفكرة ربط المواطنة الكاملة بالعرق أو الدين، واستغلال ذلك كأداة للتمييز ضد الأجانب وتقليل امتيازاتهم، وهي قضية خطيرة أتفق معه فيها، خصوصا أنها لا تقتصر على مجتمعاتنا العربية والإسلامية فحسب، بل نراها أيضا في بعض المجتمعات الأوروبية، ويتمثل ذلك في: (وضع الأجانب تحت المراقبة، الإخضاع لإجراءات أمنية مشددة، الحساسية الاجتماعية المفرطة من المظاهر الدينية لمعتنقي بعض الديانات). بل وصل الأمر في تلك البلدان- نتيجة تصاعد النزعات القومية اليمينية المتطرفة، إلى حد تعالي نبرة الحديث عن ضرورة التفتيش في الأصول العرقية والدينية للمواطنين، الذين يحملون جنسية تلك الدول، لمجرد أنهم من أصول مهاجرة، وعندما تقع جريمة ما يكون هؤلاء المواطنون من المشتبه بهم في ارتكاب تلك الجريمة، لمجرد أصولهم العرقية والدينية.

من بين الحلول التي يطرحها الدكتور عبدالعال، في سبيل مواطنة كاملة، إعادة قراءة تراث المواطنة قراءة فلسفية نقدية صارمة، والتفريق بينها وبين "الموارطة" أي توريط المواطن في أمور تستنفذ طاقاته ووجوده، فالمواطنة حق وليست وظيفة أو غاية أو وسيلة أو كادر، فهي ترتبط بالهوية، بمعنى أن الحياة على أساس المواطنة هي التي تسهم في تقوية كيان الإنسان، وليس التمايز العرقي أو الديني أوالاجتماعي أو الطبقي.

إن المواطنة في تراثنا الفلسفي والديني بل حتى الحقوقي تحولت إلى كلمة فضفاضة تتضمن وعودا وأحلاما وضربا من الخيال، لا يقابلها ضمانات حقيقية على أرض الواقع، تتعلق بالممارسة الفعلية وتلبية جميع احتياجات المواطن من حرية ومساواة وعدالة اجتماعية.

هذه القضية تتطلب نظرة من المشرعين والفقهاء والحقوقيين، المواطنة ممارسة وليست كلاما فقط.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة