خطر كبير يدق أبوابنا، علينا أن نتنبه إليه حتى لا يستفحل، وعندها لن ينفعنا عض أنامل الندم، فقد زاد بشكل كبير الإهمال بل والاستهتار لدى بعض المواطنين فى اتخاذ الإجراءات الاحترازية المطلوبة فى مواجهة وباء كورونا، فبمجرد أن قررت الحكومة الفتح والعودة المشروطة للكثير من الأنشطة الاقتصادية، حتى تصور كثير من المواطنين أن جائحة كورونا قد انتهت وراحت إلى غير رجعة.
فتخلى الكثير من المواطنين عن حرصهم وضربوا بالإجراءات الاحترازية والوقائية عرض الحائط، وهو ما ينذر بكارثة كبيرة، لا نتمنى أن نصل إليها، كما حدث فى الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا، فما أن اتخذت الحكومة الأمريكية قرار بالفتح حتى انطلق أفراد الشعب الأمريكي فى كل ولاية نحو المقاهى والشواطئ والتجمعات والحفلات بدون اتخاذ الإجراءات الاحترازية والوقائية، فكانت النتيجة انتكاسة كبيرة صنعت رقما قياسيا عالميا فى عدد الإصابات، حيث وصلت الخميس الماضى إلى 60 ألف حالة يومية، وهو رقم مفزع وكارثى، وجعل كثيرا من حكام الولايات يفكرون بجدية فى إعادة الإغلاق مرة أخرى لإنقاذ الموقف، في المقابل نجد أن الصين مصدر الفيروس استطاعت السيطرة علي الوباء باتباع مواطنيها إجراءات احترازية ووقائية صارمة فجميعهم يرتدون الكمامة ويحافظون علي التباعد.
عندما قررت الحكومة المصرية فتح الاقتصاد وعودة كثير من الأنشطة بشروط معينة، كان ذلك من أجل دوران عجلة الإنتاج والتنمية لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار، خاصة أن التوقف أضر بكثيرمن الأسر المصرية، وأيضا بعد أن رأت أن التعايش مع كورونا أمر واقع، لكن الحكومة حرصت على لسان رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولى، على ضرورة أن يكون الفتح وعودة الأنشطة بالتدريج، وأن يكون مصحوبا باتباع كافة الإجراءات الصحية والوقائية، جنبا إلى جنب مع فتح الأنشطة، حيث نصت المادة الثالثة عشرة من القرار على أن يلتزم المواطنون بارتداء الكمامات الواقية أثناء تواجدهم بجميع وسائل النقل الجماعية، سواء العامة أو الخاصة، وأثناء ترددهم على جميع المنشآت الحكومية أو الخاصة أو البنوك أو دور العبادة.
كما نصت المادة الرابعة عشرة على أن يعاقب كل من يخالف حكم عدم ارتداء الكمامة الواقية في الأماكن المحددة، بغرامة لا تجاوز 4 آلاف جنيه، ويعاقب كل من يخالف باقي أحكام هذا القرار بالحبس وبغرامة لا تجاوز 4 آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ورغم القرار الحكومى باتباع الإجراءات الاحترازية والوقائية لكبح جماح الفيروس، والسيطرة على انتشاره، إلا أن ما يحدث على أرض الواقع أمر أخر تماما، حيث أن الملاحظ زيادة فى التجمعات والحفلات والسهرات كما تخلى الكثيرون عن ارتداء الكمامات وتطبيق التباعد، وكأن الفيروس اختفى من مصر، رغم أن الأعداد اليومية ليست قليلة بل تتخطى الألف، وهو رقم كبير جدا، ويضغط بشدة على المنظومة الصحية المنهكة منذ 4 شهور.
ولا ألوم فقط على المواطنين فى عدم اتباع الإجراءات الاحترازية، بل ألوم بشدة على الجهات المخول لها مراعاة تطبيق المواطنين لتلك الإجراءات، حيث خفت بشدة قبضة تلك الجهات وصرامتها فى تطبيق القوانين الخاصة بالإجراءات الاحترازية، بل وصلت إلي حد التساهل فكثير من المواطنين يستقلون المترو الذى يعانى من الزحام غالبية اليوم دون أن يرتدوا الكمامة، والغالبية الأعظم من المواطنين ممن يستقلون المواصلات العامة والنقل الجماعى و"الميكروباص" لا يلتزمون بارتداء الكمامة، دون أن يجدوا من يطالبهم بالتزام القوانين واتباع سبل الوقاية لمنع انتشار هذا الوباء الفتاك.
إتباع الاجراءات الاحترازية والوقائية، مثل التباعد أو ارتداء الكمامة ليس رفاهية، بل هو السلاح الأمثل فى مواجهة الفيروس، خاصة بعد أن دقت منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر بتعديل إرشاداتها بعد أن أفادت دراسات حديثة قام بها 239 عالما من 32 دولة أن الفيروس يمكن أن ينتقل ليس فقط عبر رذاذ اللعاب أو قطيراته بل ذرات أصغر بكثير تطفو وتبقى متطايرة عبر الهواء وتنقل العدوى للإنسان عند استنشاقه، وهو ما شدد عليه أيضا الدكتور أنتوني فاوتشي، كبير خبراء الأمراض المعدية في أمريكا مشيرا إلى أن الأدلة واضحة على أن استخدام القناع" الكمامة" يساعد فى الحد من انتشار الفيروس.
الخلاصة أن قرار الفتح الذى اتخذته الحكومة لإنقاذ الاقتصاد ومواصلة تنفيذ خطط التنمية ليس معناه أن كورونا انتهى وأننا تخلصنا منها، بل أن الحكومة شددت على ضرورة التعايش مع كورونا بمراعاة تطبيق الإجراءات الوقائية الصحية حتى نعبر إلى بر الأمان، لأن الإهمال وعدم تطبيق الإجراءات الاحترازية الصحيحة قد يؤدى إلى موجة ثانية من الفيروس أشد فتكا وشراسة فى الانتشار، مما قد يؤدى بالحكومة اضطرارا إلى اتخاذ قرار بالإغلاق مرة أخرى، وهو السيناريو الذى لا نتمناه.