1 - ندرس فى العلوم السياسية العلاقة المتشابكة بين ثلاثة مصطلحات: «سلطة الحاكم» و«شرعية نظام الحكم» و«سيادة الدولة».
2 - فى العراق أيام صدام، كان هو الحاكم الذى يملك قرارات التخصيص السلطوى للقيم بمعنى تحديد من يحصل على ماذا متى وكيف ولماذا، وكان يضمن لسلطته هذه الشيوع والاستمرار عن طريق شرعية نظام الحكم البعثى الذى كان يترأسه، وهو ما كان يضمن استمرار سيادة العراق وسيطرة السلطة الحاكمة على كامل التراب الوطنى بما يضمن وحدة الدولة وبقاءها.
3 - اختفى صدام (السلطة)، اختفى معه حزب البعث (الشرعية)، وانقسم العراق وفقد قدرته على ممارسة سطانه على كافة ترابه (السيادة).
4 - هذا ما حدث فى الصومال مع اختفاء سياد برى، وحدث فى ليبيا مع اختفاء القذافى، وحدث فى اليمن مع تراجع سلطة على عبدالله صالح، وحدث فى سوريا مع الثورة ثم الحرب الأهلية ضد بشار الأسد.
5 - والأسوأ أن هذا ممكن أن يحصل فى كل الدول العربية باستثناء مصر وبدرجة أقل تونس. مصر دولة ذات سيادة مستقرة تاريخيا بغض النظر عن من يحكمها (السلطة) وعن مبرر بقائه فى السلطة (الشرعية). مصر بمبارك أو بدون مبارك هى مصر، لم يهرع المصريون إلى المطالبة بتغيير العلم وانفصال جزء من مصر عن بقية مصر.
6 - أوروبا الشرقية مرت بثورات مختلفة الحجم والدموية بعد انهيار الاتحاد السوفيتى. معظم الدول التى خرجت من عباءة الاتحاد السوفيتى كانت مثل مصر، فلم تشهد انفجارات داخلية تؤدى إلى حروب أهلية، ما عدا دولة واحدة هى يوغسلافيا بعد وفاة «تيتو» وبالتالى دخلت فى حرب أهلية دموية بين مكوناتها العرقية والدينية من صرب وكروات وبوسنيين وكوسوفيين.
7 - معظم دول العرب مثل يوغسلافيا، عدا مصر لأنها مجتمع صنع دولة (أى سلطة حكم وشرعية قانونية وسيادة) لكن معظم دول العرب هى سلطات سياسة خلقت مجتمعات من قبائل وشيع وطوائف وتركيبات اجتماعية ودينية ولغوية متنافرة أحيانا ومتسقة أحيانا.
8 - الجسد السياسى الليبى نتاج صراعات استعمارية وانقسامات قبلية تاريخية. ورغما عن أن طرابلس (غربى ليبيا) وبرقة (شرقى ليبيا) قد خضعتا لسلطة الدولة العثمانية لأكثر من مئتى سنة لكنهما لما تكونا أبدا تحت سلطة سياسية موحدة، وظلت كل واحدة أشبه بولاية مستقلة عن الأخرى.
9 - وحتى حين احتلت إيطاليا ليبيا فى عام 1912 فإنها لم تنجح فى توحيدها إلا ظاهريا، وحتى حينما هاجمت الولايات المتحدة وبريطانيا القوات الألمانية والإيطالية فى ليبيا خلال الحرب العالمية الثانية، وحتى حين احتلت فرنسا فزان (جنوبى ليبيا) فى عام 1943 وحاولت روسيا تحت حكم ستالين تأمين انتداب لها على طرابلس فى عام 1945، إن كل هذه القوى لم تستطع أن تبسط سيطرتها على كامل ليبيا، واكتفت بممارسة نفوذ محدود بالتحالف مع القبائل المختلفة، كل على حدة.
10 - القذافى نجح فى الحفاظ على وحدة ليبيا وسيادتها وبسط سلطته الشخصية وتأمين شرعية حكمه عبر اتفاقات منح ومنع مع القبائل، لكن هذا الجسد انفجر بالفعل، ومن الصعب الآن إعادة تلاحمه.
11 - ليبيا الآن مرشحة بقوة لأن تعود إلى حالة القبلية الأولى بسبب تفاعل الأحداث المحلية والإقليمية والعالمية. المهم أن يكون الانقسام الليبى، إن كان لا بديل عنه، عند الخط الذى رسمته مصر لأمنها القومى: خط سرت - الجفرة. وهذا هو الحد الأدنى المقبول.
هذا ما أمكن إيراده وتيسر إعداده وقدر الله لى قوله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة